دولة صغيرة لها منفذ بري واحد بجوار أشقاء، تتشابك معهم اجتماعيا وتاريخيا واقتصاديا وسياسيا، فجأةً تتلقى ضربة جماعية، بقطع العلاقات والحصار الاقتصادي والبري والبحري، وتدعو الدول المعنية بهذه الخطوة غيرها للمزيد من مقاطعة قطر.
إنها سابقة لافتة باختصار، وتدل على المستوى السحيق الذي وصلت إليه العلاقات البينية العربية، للأسف البالغ.
ليصبح عنوانها الكراهية الصريحة والإضرار، ولا مؤشرات قريبة تدل على قرب انفراج هذه الأزمة الحادة، رغم أنها لا تحتمل الاستمرار.
ورغم بعض المآخذ على النظام السعودي، على رأي البعض، في مجال حرية التعبير وتغييب النموذج الديمقراطي واستهداف بعض التوجهات المُسالمة في العالم العربي بوجه خاص، إلا أن السعودية لها مكانتها التاريخية والروحية، والاقتصادية والسياسية في العالم العربي والإسلامي، وليس من الحكمة ولا المقبول مجافاتها وعداءها، ولكن لا يُقبل منها في المُقابل ذلك ضد برءاء، لأن السياسة السعودية بحكم موقعها الروحي لا يصلح لها إلا ما يجمع ويعمق ويوطد الصلات، وكل عاقل طبيعي المزاج، لا يُمكن أن يستسيغ ما قامت به السعودية وخليلاتها من استهداف قطر.
العرب بطبعهم عاطفيون، عندما تُتاح لهم فرصة الغنى قد يصابون بسهولة بجنون العظمة، لكن رعاية ومراعاة المصالح ينبغي أن تمنع صاحبها ولو نسبيا من التهور.
فالمنطقة حساسة جدًا والأعداء كُثر، والوضع العربي عمومًا والخليجي خصوصًا، بحكم الموقع بوجه خاص، لا يُناسبه هذا التصعيد والهز العنيف دون حساب ودون تخوف من العواقب الجمة.
عندما نسمع تحليل ممثلة أمريكا في الأمم المتحدة لجانب من الأزمة، وتأكيدها بأن الأزمة الراهنة فرصة للضغط على الطرفين، ومن جانب آخر حديثهم عن صفقات السلاح، وابتزاز دول الخليج ماليًا، والسعودية بشكل خاص بمئات المليارات من الدولار، يوقن بسهولة من تردد يومًا، أن الأمريكيين ونظرائهم الأوروبيين، همهم الأول مصالحهم الضيقة وأهدافهم ومخططاتهم الإستراتيجية، ولو على حساب الاستقرار العربي والمصير العربي والإسلامي المُشترَك.
إن صراعنا فيما بيننا لا معنى له إلا إَضعافُنا لأنفسنا، والمزيد من إطماع الأعداء في بيضتنا وإتاحة المجال للمزيد أيضا من الوهن العربي.
فالأولوية للاستقرار في المنطقة وتعزيز الأخوَّة العربية والإسلامية، أما استبعاد إيران رغم أطماعها واستهداف قطر الشقيقة، فكل هذا لا يخدم العرب في الشمال الإفريقي، أولى وأحرى عرب ومسلمي الشرق الأوسط والخليج.
لقد غاب الحلم والأناة والتعقل فيما يجري منذ بعض الوقت في الشرق الأوسط والخليج العربي خصوصًا، فهل من قرار رشيد قبل فوات الأوان.
أما قطع علاقة موريتانيا مع الشقيقة قطر في هذا الظرف العصيب، فهو خطوة ضعيفة السبك، جعلت من موريتانيا مجرد رقم في الدائرة السعودية، وربما بدافع الطمع، وربما أيضا لصالح رأس النظام وليس لصالح الدولة الموريتانية.
هؤلاء إخوة تنازعوا، فالأنسب عدم صب الزيت على النار، والسعي بسرعة وحسن نية للتوسط والإصلاح بينهم، وكان من الأجمل للدبلوماسية الموريتانية، أن تقف موقف الحياد والتوجيه للتقارب وحل الخلاف وديا وسلميا وعربيا، بعيدا عن تدخل الغير وإطالة عمر الأزمة الخطيرة المخيفة الممزقة.
إننا رغم المواقف الخاصة من سياسة أي دولة، وفق ما تقتضيه حرية التفكير والتعبير والتصور، نحرص على مصالح العرب والمسلمين دون تمييز، ولا حزازة ضد السعودية ولا الإمارات ولا غيرهما، لكن التحامل على قطر كان مشينا وشاقًّا بحقٍ، ومعبرًا عن غلبة الكراهية والتسرع على التسامح والتريث.
وما زال الوقت ملائمًا للتفهم والتعقل، وهو أولى وأكثر خدمةً للجميع، بدل العصبية والشقاق والتنابذ، ونرجو من الله أن يصلح ويقارب ويسدد، وما ذلك على ذلك على الله بعزيز.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ولله في خلقه شؤون.