كان دونالد ترامب يحلم عند دخوله البيت الأبيض ببداية عهد مشرقة، لكن الواقع أن أسابيعه الثلاثة الأولى في الحكم طبعت بسلسلة سجالات وتراجع شعبيته وتصدعات داخل حزبه الجمهوري، وصولا إلى متاعب قضائية.
وبعدما وصل رجل الأعمال السبعيني إلى السلطة بدون أي خبرة سابقة في السياسة، ينهي أسبوعه الثالث في البيت الأبيض بنكسة، إذ أبقى القضاء مرسومه موضع الجدل حول الهجرة معلقا، مسددا ضربة لأحد أبرز وعوده الانتخابية.
وبمعزل عن توجهاته السياسية، فإن أسلوبه الهجومي والاستفزازي ساهم في تحفيز معارضيه ضده، ودفع شريحة كبيرة من المجتمع الأميركي إلى الانتقال بحزم إلى "المقاومة".
وحمل "الرئيس ترامب" ملايين الأميركيين على النزول إلى الشوارع، فيما واجه معارضة من جانب قسم من الإدارة نفسها. أما على الجبهة الدبلوماسية، فنجح في إثارة استياء قادة العديد من الدول الحليفة، بدءا بأستراليا ووصولا إلى ألمانيا.
وبعدما ألمح في الخطاب الذي ألقاه بعد فوزه في الانتخابات في 8 تشرين الثاني/نوفمبر إلى رغبة في توحيد صفوف الأميركيين إذ أعلن "حان الوقت لتضميد جراح الانقسام"، عاد وحسم خياره بشكل واضح، متوجها حصرا إلى قاعدته الانتخابية.
وينطوي هذا الخط الذي اختاره ترامب على مجازفة سياسية.
وما يزيد من خطورته أنه يخوض الآن معركة قضائية ستكون طويلة وشاقة، وقد تنتهي أمام المحكمة العليا، حول مرسومه الذي حظر مؤقتا الهجرة والسفر من سبع دول ذات غالبية مسلمة تحت شعار مكافحة الارهاب.
وتلقى في معركته هذه صفعة شديدة إذ أكدت محكمة الاستئناف في سان فرانسيسكو الخميس على التعليق المؤقت لمفاعيل المرسوم.
ويشدد معسكر ترامب على أن القضاء لم يبت في جوهر القضية، وأن المسألة لم تحسم بعد، وهو على حق في ذلك.
إلا أن الرمز خلف هذا القرار يبقى قويا، لا سيما وأن القضاة الثلاثة الذين رفضوا بالاجماع استئناف الإدارة عينهم رؤساء ديموقراطيون وجمهوريون هم جيمي كارتر وجورج بوش وباراك أوباما.
ورد ترامب بالوسيلة التي اعتمدها حتى الآن لإبداء غضبه واستيائه وشن هجمات على منتقديه، فكتب على تويتر "أراكم في المحكمة، أمن بلادنا على المحك!".
"لا يضبط نفسه"
وسبق أن اصطدم رؤساء من قبل بأحكام قضائية شلت قرارات اتخذوها.
غير أن طريقة رد الرئيس الذي جعل من صراعه مع القضاء مسألة شخصية، وهجماته البالغة الحدة ضد بعض القضاة وضد المحاكم بصورة عامة، فاجأت الجميع.
ولفت الصحافي في "نيويورك تايمز" تشارلز بلو في مقالة بعنوان "خصوم ترامب الرئيسيون يلبسون رداء القضاء"، إلى أن الرئيس السابق باراك أوباما انتقد علنا في 2010 قرارا صادرا عن المحكمة العليا حول تمويل الحياة السياسية، لكنه "إذ أقدم على ذلك، حصر استياءه بالقرار بحد ذاته".
وخلص إلى أن "المحاكم الوحيدة التي يعتبرها ترامب شرعية هي تلك التي ترضخ لمشيئته" مؤكدا "هو لا يريد أن يكون رئيسا، بل امبراطورا".
وبعد فوز رجل الأعمال المفاجئ في الانتخابات الرئاسية، ردد أوباما أن أهمية المنصب تفرض نفسها على من يشغله وتبدله، سعيا منه ربما لطمأنة الديموقراطيين بعد الصدمة التي أصابتهم.
لكن من المؤكد أن مهام الرئاسة لم يكن لها حتى الآن أي تأثير على ترامب.
ويبدو فريقه، أو قسم منه على الأقل، مصمما على الالتزام بشكل تام باستراتيجية الحملة الانتخابية وتطبيق الأساليب التي أتت بنتيجة في سياق المهرجانات والتجمعات، من ويسكونسن إلى بنسيلفانيا، على نهج الرئاسة.
والواقع أن كل استطلاعات الرأي تشير إلى أن قاعدة الناخبين التي حملت ترامب إلى البيت الأبيض تبقى على تأييدها الصلب له.
وقال المتحدث باسمه شون سبايسر الخميس إن "من الأسباب التي حملت على انتخاب الرئيس أنه يقول ما يفكر به" مضيفا "إنه لا يضبط نفسه، هو صادق. لن يكتفي بالجلوس والبقاء مشاهدا".
ولا يعرف ما إذا كانت الانتكاسات التي لحقت به خلال أيامه العشرين الأولى في الحكم والأصوات المعارضة له التي لا تزال قليلة إلا أنها تتزايد داخل المعسكر الجمهوري، ستدفعه إلى تغيير وجهته أو نبرته.
وهو ما لا يرجحه الكاتب ومقدم البرامج الإذاعية غاريسون كيلور.
وكتب في افتتاحية نشرتها صحيفة "شيكاغو تريبيون" قبل بضعة أيام "ما نعرفه هو أن هذا الرجل على هذا الشكل. ليس هناك في داخله رجل آخر، يتسم بمزيد من الرقي يحاول الخروج".
وأكد "كل الذين يراقبون الوضع عن كثب يعرفون ذلك".
ارويترز