الحرب العالمية الرابعة على الاسلام انها حرب أيديولوجية استعمارية.. فلنفهم الحكاية من أولها | 28 نوفمبر

الحرب العالمية الرابعة على الاسلام انها حرب أيديولوجية استعمارية.. فلنفهم الحكاية من أولها

اثنين, 11/07/2016 - 15:18
د. عبد الحي زلوم

د. عبد الحي زلوم

في حديث لـ “فينانشال تايمز″ في 15 إبريل 2016 قال الشيخ حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر السابق: “عندما بدأنا ننخرط في سورية كان لدينا ضوء أخضر بأن قطر هي التي ستقود”. وأضاف:”أن السعودية دخلت على الخط  وأصبحنا نتنافس مع بعض وهذا لم يكن صحياً”، لكن الشيخ لم يقل لنا من هو صاحب الأضواء الحمر والخضر.

 ومع أنني كنت قد تكبدت عناء إثبات أن الولايات المتحدة تعتبر أسعار النفط قراراً أمنياً أمريكياً بامتياز هبوطاً أو صعوداً إلا أن الشيخ حمد قال صراحة: “فعلى ثلاثين عاماً ظلت منطقة الخليج تتحكم باسعار النفط من أجل الغرب. فماذا ربحنا في المقابل؟ عندما كانت أسعار النفط تهبط  كانوا يقولون لنا تحكموا في السعر. وعندما كانت تصعد كانوا يصرخون ويقولون لا تفعلوا ذلك”، وهكذا قطع الشيخ حمد بن جاسم قول كل خطيب!!!

الحرب على النظام السوري التي تنافست دول عربية على قيادتها قتلت لتاريخه حوالي نصف مليون عربي ومسلم  بريء وجرحت مئات الالاف وهجّرت 12 مليون مواطن بريء . الحرب الاهلية السورية وصفتها هيلاري كلينتون  (وهي إحدى أصحاب الأضواء الخضر والحمر) كما جاء في تسريبة عن كمبيوترها  الشخصي  حينما كانت وزيرة للخارجية بأنها ” جيدة لإسرائيل good for Israel .

 كشف نائب مستشار ألامن القومي الأمريكي أثناء الحرب الصهيونية الامريكية سنة 2006 على المقاومة اللبنانية في محاضرة له في مركز أبحاث الأمن القومي في تل أبيب مؤخراً  أن “دول عربية كثيرة  كانت تنتظر هزيمة واضحة لحزب الله وأن الجيش الاسرائيلي فشل وحول حزب الله إلى أسطورة” مبيناً أن أمريكا كانت الأكثر استياءاً لهذا الفشل. فهل جاءت الهجمة على النظام السوري لمساندته لهذا الحزب الاسطورة ومحاولة تحقيق هزيمته التي لم تستطع أمريكا واسرائيل هزيمتها في حرب دامت 33 يوماً؟

أسارع لان ابين أني لا أدافع عن النظام السوري  لانه نظام شمولي استبدادي شأنه شان الدول الداعمة للحرب ضده – وان هذه الحرب هي ليست لمحاربة مساوئ النظام – بل لمحاربة ما عنده من قلة من المحاسن كقبوله بأن تكون سوريا ( بلد ترانزيت ) للدعم اللوجيتسيتكي للمقاومة اللبنانية لانها ليست “good for Israel”! ودعنا هنا نبدأ الحكاية من أولها .

المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الامريكية جيمس  وولسي ( James Woolsey) وفي محاضرة له في ابريل سنة 2003 في جامعة كاليفورنيا في لوس انجليس (UCLA) قال بأن الولايات المتحدة مقبلة على خوض الحرب العالمية الرابعة ( معتبراً الحرب الباردة حرباً عالمية ثالثة). أما الهدف هذه المرّة فهو العالم الاسلامي ، وصولاً الى إعادة رسم خارطته وقال أن هذه الحرب ستكون حرب أجيال.وأضاف: “هذه الحرب هي ضد ثلاثة اعداء : نظام الملالي في ايران والانظمة الفاشية في كل من العراق وسوريا، والمتشددين الاسلاميين في كل مكان”.  وقال: ” وسنقوم ببناء شرق أوسط جديد وسينقلب امثال الحكام في بلاد مثل مصر والسعودية يرتجفون قلقاً لاننا سنكون مع  شعوبهم .” فهل تكلم عن الربيع العربي قبل سنوات من حصوله ؟

فلنفسر ما قاله وولسي قبل 13 سنة ونرى تطبيقاته على الارض اليوم. تم احتلال العراق وتفكيك دولته ، وأُعطي الضوء الاخضر لتدمير سوريا كما نرى اليوم ، وقاد عملية التحطيم وتمويلها الحكام أنفسهم الذين يراهم مدير وكالة المخابرات المركزية الامريكية السابق أنهم هم اللاحقون في تغيير خارطة العالم الاسلامي – وهكذا يكون هؤلاء الزعماء كمن يدمرون بيوتهم بأيديهم ويسيرون الى حتفهم من حيث لا يعلمون . ولقد بدأت عملية فك الارتباط بين الانظمة هذه وبين الولايات المتحدة وكما قال وولسي فهم اليوم خائفون من خيانة الصديق والحليف – الولايات المتحدة – . وما نراه اليوم من  قلاقل وتفجيرات هنا وهناك ما هي الا البداية وأما مايسترو هذه القلاقل كلها فهو الحليف الاكبر الذي إدعت عشرات مخابراته  وتجسسه  في الارض و في السماء انها لم ترى الاف منتسبي داعش وهي تحتل نصف العراق !

نحن نرى أن كافة اقطار العالم الاسلامي ينتابها  القلاقل والحروب من بنغلادش الى بوكوحرام. اذا فهذا هو مسرح الحرب العالمية الرابعة . ولكن السؤال الذي يطرح نفسه فوراً هل هي حرب دينية بين الاسلام والمسيحية وأسارع بالقول لا والف لا’.

فمثلاً البابا فرانسيس الذي يمثل ويقود 1.3 مليار مسيحي كاثوليكي يقول صراحة جهاراً نهاراً أن النظام الرأسمالي وعولمته فاسدان يجب استبدالهما . اذا فما نشهده هو حرب ايديولوجية بين الرأسمالية ذات الحضارة اليهوبروتستنتينية الصهيونية وبين الحضارة الاسلامية بما فيها من انظمة اقتصادية وإجتماعية تتناقض تماماً مع انظمة الرأسمالية .  أقول ذلك لان الغرب في غالبيته لا يميل الى التدين كما بين آخر احصاء اجرته مؤسسة غالوب الدولية بأن نسبة غير المتدينين والوثنين تزيد عن نصف شعوبها فالنسبة في بريطانيا هي 66% وفي المانيا 54% ، وفي هولندا 66% و وتصل في السويد الى 76% وفي كندا 53% .  وإذا كان الاتحاد السوفيتي يرى الدين كأفيون الشعوب فقاومه بضراوة وبكلفة عالية . لكن   اصحاب النظام الراسمالي في الولايات المتحدة قالوا اذا كان الدين افيوناً وبالمجان فلنخدر  الشعب به ، فناصر اعلام المؤسسة الرأسمالية انتشار الدين ودعموا امثال بيلي  غراهام وغيره من الدعاه الفاسدين الذين ازكمت فضائحهم الانوف وصار قسم كبير من الشعب الامريكي المسحوق يقبلون ظلم الرأسمالية منتظرين يوم الخلاص ولعله قريب ، تماماً كما تم تعبئة التكفيرين ممن قاسوا الكثير من مظالم مجتماعاتهم للانتقال الى جنان الخلد والنعيم حتى وعلى اشلاء الابرياء .

ما يخيف الغرب الرأسمالي في تطبيق الشريعة الاسلامية ليس قطع ايدي السارق ورجم الزاني ، انه نظام اقتصادي يحرم الربا  والذي هو اساس النظام الرأسمالي – فلا ربا يعني لا سوق مالي ، ولا وول ستريت ، ولا بنوك ولا شركات عابرة للقارات لاستغلال الشعوب ولا صندوق نقد دولي ولا هم يحزنون . وبعبارة اخرى لا رأسمالية ولا عولمة  .

وهنا دعني اتوقف على العولمة قليلاً . فلو اردت ان اختصر تعريفها وكما عرفته في محاضرة لي في جامعة هارفارد بأنها الطبعة الجديدة من الاستعمار والتي تقوم بتدجين دول العالم لتصبح جمهوريات موز في خدمة أصحاب العولمة – بارونات المال العالمي المهيمنين على العالم عبر هيمنتهم على الولايات المتحدة . انظمة الشريعة الاسلامية تتنافى مع الف باء العولمة وهي ومن يتبعها سيكون عقبة في تحقيق عالم واحد يحكمه ارباب وول ستريت .

لكي نفهم كيف ينظر استراتيجيو الاستعمار الجديد اي العولمة الى العالم الاسلامي دعنا نتوقف قليلاً على ما كتبه توماس بارينت وهنري غافني من مراكز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن حيث كتبا : ” على الولايات المتحدة أن تتوقع بأنها ستتحمل نصيب الاسد في الجهود الخاصة بدعم مسيرة العولمة ، لاننا سنكون الاكثر استفادة من مكاسبها التي لن توزع بالتساوي . على الولايات المتحدة ممارسة دور مدير العولمة … كما يتضح من العجز التجاري المتعاظم الذي نعاني منه ، فإننا نميلُ للعيش بصورة تتجاوز امكاناتنا الاقتصادية ، فنحن نعتمد على العالم في خدمة ديوننا الخاصة… وهي صفقة لا يجب أن تثير قلقنا ، بإعتبار بأن ما نقوم به هو  مقايضات منتجات فعلية نحصل عليها مقابل اوراق فقط .”

ما يسمونه الاسلام السياسي يقف في طريق العولمة هذه التي تُمكن الولايات المتحدة ان تعيش فوق قدراتها الاقتصادية وأن تجبر العالم على مقايضة بضائع حقيقية مقابل اوراق الدولار التي تكلفُ طباعة المئة دولار منها أقل من 5 سنتات. واذا كان هذا الاسلام السياسي الذي يُصدرعالمه النفط والمواد الخام لقاء ( اوراق) عائقاً امام هذه العملية فهل للولايات المتحدة سوى أن تشن عليه حرباً عالمية رابعة وخامسة ، خاصة أن من ظنوا أنهم حلفاؤها من العالم الاسلامي يدفعون فاتورة هذه الحرب من مالٍ ورجال؟

 دعنا نستعرض كيف تعامل مدير العولمة مع الحركات الاسلامية منذ أن شنوا حربهم على العالم الاسلامي بما أسموه  الحرب على الارهاب . في بداية الحرب العالمية الرابعة على الحضارة والعالم الاسلامي كان هناك من بين المحافظين الجدد تيار يرى فيما يسمونه بالاسلاميين المعتدلين مثل الاخوان المسلمين (ومنهم اوردغان) ان هذا النوع من الاسلام السياسي المهادن  للغرب هو نموذج جيد فهو اقل فساداً من الانظمة الشمولية واكثر تنظيماً وشعبية ! . فتركيا مثلاً حليف للغرب في الناتو ، و تنسق مع اسرائيل في الشؤون العسكرية والدفاعية وليصلي اصحاب هذه الجماعات الاسلامية المهادنة خمسين ركعة في اليوم وليصوموا نصف السنة ، فهذا لا يعني الغرب ولا يؤثر على مصالحه . كان هذا الاتجاه هو السائد لدى الادارات الامريكية حتى نهايات سنة 2010.  كان هناك فريق اخر تدعمه اسرائيل وتقول أنها ادرى بدهاليز العالم الاسلامي . ليس هناك حركات اسلامية معتدلة فكل الحركات الاسلامية العنيفة قد جاء  قادتها من الاخوان المسلمين . ثم حتى لو كانت انظمة الحكم الاخوانية مهادنة مع الغرب فالخطر أن يكون هناك وحدة عربية او اسلامية ذات منهج واحد يمكن قيادة الجماهير فيها ضمن تنظيم واحد قد يعملوا ثورة اقتصادية مثل تركيا وهذا خطر على اسرائيل والغرب .

عندما جاء الربيع العربي أصبح الاخوان المسلمون وبدرجات متفاوتة  يحكمون في تونس ومصر والمغرب وبدأ حراكهم في بلدان اخرى مثل سوريا والاردن وكذلك  الجماعات الاسلامية المنبثقة عن الاخوان في باكستان وبنغلادش. كان هناك في كل هذه البلدان ( خلايا نائمة ) فقامت بانقلاباتها بما في ذلك حركة فتح الله غولن والتي بدات  من مركزها  في الولايات المتحدة بزعزعة نظام حزب اردوغان. اصبح نظام اردوغان كما بقية انظمة الاخوان المسلمين مستهدفاً وغير مرغوب به.

خلقت قوى الشد العكسي الحركات التكفيرية وتساءل الناس: كيف تم تجميع هذه الكم الهائل من التكفيرين من كافة ارجاء الارض؟ من اعطاهم ( وهم بعشرات الالاف) الجوازات والتأشيرات وتذاكر السفر وسهل لهم الدخول الى سوريا والعراق ؟ من الذي مول وأوصل لهم الامدادات ومن يدفع رواتبهم وثمن اسلحتهم ؟ الجواب معلوم للجميع ، الا أن بعض السحر قد انقلب على السحرة . كان لبعض هذه التنظيمات اهداف مشتركة لبعض الطريق ولكن ليس لنهايته . فانقلب بعض هذه التنظيمات على مشغليها كما نرى اليوم .

اليوم يتم مقاومة الحركات الاسلامية المعتدل منها والمتشدد ، وأصبحت هذه الحركات تقاتل الانظمة يوماً وتقاتل بعضها يومين .

هل هناك مايسترو يوحد العالم الاسلامي من اقصاه الى اقصاه في هذف واحد يعتبره خطراً وجودياً عليه ؟ لعل هذا المايسترو هو من جعل السكرتير العام لحلف الناتو ان يقول سنة 1995 أن الاسلام السياسي أخطر من الشيوعية أو أن يقول أحد كبار المسؤولين في عهد الرئيس كلينتون (ان الاسلام هو ندٌ للغرب) او أن يقول هنري كسينجر في لندن أن قليلاً في الغرب من يعلم خطر الاسلام عليه. انهم يريدون ان تكون الرأسمالية بمظالمها هي نهاية التاريخ لكنها لن تكون!

مستشار ومؤلف وباحث