فلنضع الأمور في نصابها /محمدن الرباني | 28 نوفمبر

فلنضع الأمور في نصابها /محمدن الرباني

أحد, 12/01/2020 - 10:59
محمدن الرباني

لا شيء أصعب ولا أجلب للفائدة والثمرة من وضع الأمور في نصابها، خاصة حين يكون ذلك ممن يعرف الأمور حق المعرفة، وخبرها حق الخبرة، ومارسها حق الممارسة.
حين ينحو الرئيس جميل منحى وضع الأمور في نصابها، تتلهف الأنفس لوضع للنقاط على الحروف، برشاقة أسلوب، ورقي فكر، وحسن استيعاب، وقوة حجة، وحسن تحليل، وصدق تفرس.
ذلك المتوقع المجرب، وللقواعد استثناؤها كما كتب تحت هذا العنوان لولا أنه قيد بزاوية ما.
وضعا للأمور في نصابها من زاوية أخرى يمكن القول:
1 – أنه في موضوع اللغة العربية لا يبدو أن لأحد مصلحة في "دفع العديدين إلى أن يكون لهم موقف سلبي منها" كما لا يناسب أحدا أن يتوقع أن يمدح فيها بما لم يفعل، فإن تنحية اللغة العربية أمر جسيم، وهو أحد الكوارث التربوية والحضارية، التي حلت بهذا البلد منذ فترة طويلة، والذين تزعموا الحراك السياسي في العقود الماضية من الصعب موضوعيا أن يستبرئوا لأعراضهم السياسة في القضية وهم لا يقصفون الذاكرة بوابل من المواقف القوية المجلجلة، أضعفها إيمانا: البيانات والدراسات والمقابلات التي تطرح فيها القضية الأصالة لا تعرضا، تجنبا للإحراج.
أما لازمة التعريب المشهورة " بالدم واللهيب" فإن شعارات المظاهرات –ككلام التلاحي- ظاهره غير مضمره، إذا نزع منه الإلحاح والتأكيد يقل الذي يبقى. وقد أحسن الشيخ الرئيس في تفهم الأمر وعدم إخراجه عن سياقه السياسي والزمني.
إن كان لا بد من الفرق بين التعرب والتعريب فهو كالتحول والتحويل، كالتعلم والتعليم، الأول ذاتي والثاني بفعل فاعل، غير أن فعل الفاعل لا يستلزم القوة ولا ينافي الإرادة الذاتية، ولا يبدو ما يتحدث عنه الألمعي المرحوم جمال الحسن وما نناقش متعارضين، فالمرحوم يبين في حديثه التاريخي عميق الأثر الذي تركته اللغة العربية في الشعوب، حتى تعلقت بها واتخذتها لسانا اختياريا، وبذلك تعربت، وهو لا ينافي ما بذل الفاتحون من جهود في تقريبهم من اللغة، وتيسيرها لهم، وذلك تعريب.
صحيح أن إرادة المستقبلين يجب أن تحكم، بيد أن السؤال المطروح: هل إرادة المستقبلين في موريتانيا هي من العموم المخصوص الذي يدل على تشكيلات سياسية معينة من مكونة معينة، أم تعني جل المعنيين؟
لسنا بدعا من الأمم؛ في مجال التعدد اللغوي، وفي العالم تجارب ناجحة يمكن الاستفادة منها، في سيادة اللغة العربية وحفظ حقوق جميع المواطنين، كل بما يناسبه. أما أن تثار إرادة المستقبلين ومصالحهم كعقبات، وتعد المسألة من الأمور التي يلزم السكوت عنها لمصلحة السلم الأهلي، فذلك تقصير في حق الدين والتاريخ والتربية.
2 – صحيح أن "قصة المظالم والمنظمات الحقوقية تتطلب وقفة فيها بعض الصراحة، فلا يكفي أن يظل البعض- إن هو قبل الحديث عن المظالم - مصرا على التعبير بالجمل الاعتراضية والصياغات التمريضية " صحيح أنه توجد مظالم ولا ينكر وجود تجاوزات ... ولكن "
ولكن –وليسامحنا الحكيم فيما بعد لكن- ليس في التأكيد على هذا المؤكد شيء من الإجابة على التساؤلات المطروحة والتي تتطلب إجابة.
لا ننازع في كون "المظالم موجودة وعميقة، بعضها كان ومازال، وبعضها تراجع وخف وبعضها تحييه الأخطاء والتجاوزات التي لا يقدر أصحابها آثار هذه المظالم وضرورة جبرها"
محل النزاع هو في الموقف المناسب لإسلاميي الخط الوسطي المعتدل الشمولي، الذي يجعلهم غير متماهين في القضية مع يمين ولا يسار، الذي لا يحولهم من قوة لها اهتماماتها المختلفة، ورؤيتها الشمولية، إلى ظهير، أو ملحق بمنظمات او كيانات خاصة، مهما كانت أهميتها ودورها!
محل النزاع في ضرورة إيجاد الفرق في هذا المجال بين ما يكتبه فلان وعلان وبهلان التواصليون وبين ما يكتبه فلان وعلان وبهلان الإيراويون أو الإفلاميون؟.
محل النزاع في ضرورة إيجاد الفرق في هذا المجال بين مستوى الاهتمام بالقضية فيما يكتبه فلان وعلان وبهلان التواصليون الشموليون المفترضون، وبين ما يكتبه فلان وعلان وبهلان الإيراويون أو الإفلاميون في قضية هي مسوغ وجودهم أصلا؟.
3- أما المنظمات الحقوقية والتشكيلات السياسية فلسنا في محل اتهامها، ولا الحكم عليها بسوء، بل نقدرهم، ونحترم لهم رؤاهم، وأفكارهم، ومنطلقاتهم، ونثمن المشترك، ونعي التباين، ولربما أصابنا رشق من سهامها، كما يصيبنا رشح من عطائها، وتلك سنة المتعايشين، لكنهم في الجملة مختلفون عنا ونحن مختلفون عنهم.
4- لا يمكن "تصور المستقبل دون تقويم الماضي - بموضوعية ودون الأسر له - وتشخيص الحاضر - دون إثارة ولا تمييع" لكن إطالة الوقوف عنده واستسهال نثره هي التي منعت أولاد ... من التصالح والألفة، حسب المثل الشعبي. ولا نريد لمجتعنا الا الالفة، فليكن الوقوف مع الماضي ضرورة تقدر بقدرها.
5- يجزم الشيخ الرئيس "أنه لو أخذنا المسؤوليات في حزب تواصل مثلا لتساوت المكونات والجهات في باب التعيين دون الكفاءة الكافية وإن رجح مكون أو قومية لكانت غير التي يشير إليها الإخوة الذين كتبوا أو عقبوا". والذي يحضر مهرجانات تواصل، أو مؤتمراته وسائر انشطته لا يمكن إلا أن يعتبر هذا الجزم مجازفة، لولا صدوره من الشيخ الرئيس، الذي لا جواب له في مثلها إلا جواب زوج عبد الرحمن بن رواحة حين وقع على أمته وفطنت له زوجه فلامته فجحدها. فقالت له: إن كنت صادقاً فاقرأ القرآن فالجنب لا يقرأ القرآن فقال:
شهدت بأن وعد الله حق ... وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء حق ... وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة غلاظ ... ملائكة الإله مسومينا
فقالت امرأته: صدق الله وكذبت عيني.
صدق الشيخ الرئيس وكذبنا عيوننا.
ولكنها تدور.
محمدن الرباني