السيد الرئيس،
لم أكتب في حياتي رسالة لرئيس، فقد تربيت على أن الرؤساء لا يجدون من الوقت ما يكفي لقراءة الأشياء المهمة، فما بالك برسائل المتسكعين، على أرصفة الوطن والزمن من أمثالي،
ولم أكتب قط لأي من رؤساء اللجان الانتخابية السابقة، لكنني قررت أن أكتب لكم أنتم بالذات، لسبب بسيط، هو أنكم إمتلكتم الشجاعة الكافية، لتطلبوا العون من الجميع، من أجل أداء هذه المهمة النبيلة والخطيرة في الآن معا،
ولأني من أولئك الجميع، ولأني أيضا من أولئك الذين لا يوافيهم النوم، حين يحسون بأن الكرة باتت في مرماهم، فقد قررت أن أكتب لكم،
قد أختلف مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في أشياء كثيرة، لكنني أعجبت جدا بهذا الرجل، يوم علمت أنه لا ينام إلا وقد وقع جميع الأوراق التي تتطلب توقيعه، لأنه وكما قال، التوقيع الذي لا يستغرق سوى ثوان كلمح البصر، قد يعطل مصالح الناس أياما أو شهورا أو حتى سنين،
اعلموا سيدي الرئيس، أن عدوكم الأول، كما كان حال ما سلف من اللجان، هو الوقت ولا شيء آخر غير الوقت، وأن شفافية الانتخابات وتنظيمها بشكل محكم، إنما يكون بتسيير هذا الوقت والحرص عليه والعض عليه بالنواجذ، خاصة وأنكم في مجتمع لا يحسب للوقت حسابا، ولا يحس به ويندم عليه إلا حين يمضي، ولات الحين حين ندم أو حسرة،
ولو نظرتم بعين الفحص والتمحيص، إلى ما جرى في ٱخر انتخابات نيابية سنة 2013، لوجدتم أن اللجنة فشلت في مسألتين أساسيتين: أولهما، تزويد الأحزاب بمستخرجات من محاضر مكاتب التصويت، كما تنص على ذلك مدونة الانتخابات، وثانيهما، التبكير بإعلان النتائج لأن أي تأخير في مثل هذا الإعلان، يفتح الباب أمام الشائعات والإشاعات ويضع الشفافية على المحك، ولو توغلتم أكثر في تحليل هذين المشكلين، لوجدتم أن أصلهما هو فشل ذريع، في تسيير الوقت،
ولاشك أن هذه المخاطر، تهدد لجنتكم أنتم الموقرة أكثر من كل اللجان السابقة، نظرا لهذه الشهية الانتخابية الوطنية التي لم يسبق لها مثيل والتي أدت إلى هذه الوفرة في الترشحات،
وللتغلب على هذا المشكل العويص، إليكم أفكار هذا العبد الفقير ، الذي يعتقد أنه معني بقضايا هذا الوطن، حتى وإن كان ينام على أرصفته وممنوع من نيل الكثير من تأشيرات المرور إليه:
1.قبل الانتخابات، عليكم تخصيص يوم للقيام بمحاكاة للتصويت داخل مكتب انتخابي، ويمكن تنظيم هذه المحاكاة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، حيث تقوم مجموعة من المتطوعين يمثلون جميع أنواع الناخبين، بمحاكاة عملية تصويت داخل أحد المكاتب، ويتم تفويجهم بذات الطريقة التي تحدث يوم الانتخاب، ويصوتون بنسخ من نفس بطاقات التصويت وداخل نفس الصناديق، ويخضعون لنفس الظروف والإجراءات، التي يخضع لها الناخبون عادة.
هذه المحاكاة ستعطيكم فكرة واضحة عن الوقت الذي ستستغرقه العملية، بما فيها فرز الأصوات ورفعها ومعالجتها على مستوى اللجنة المركزية، وسيمكنكم ذلك من تحديد المهلة اللازمة لإعلان النتائج، مما سيخفف عنكم الضغط، خاصة وأن الموريتانيين تعودوا الحصول على النتيجة في اليوم التالي، وهو أمر مستحيل في هذه الاستحقاقات،
هذه المحاكاة ستمكنكم أيضا من معرفة التحسينات التي يمكن إدخالها على العملية، والأخطاء الشائعة التي يقع فيها الناخب وتكون عادة السبب في ارتفاع عدد البطاقات اللاغية،
2.مشكل مستخرجات المحاضر سيطرح نفسه بقوة، نظرا لكثرة اللوائح المشاركة في هذه الانتخابات، ولحلحلة هذا المشكل، أقترح عليكم أن تكون هناك مصورات أوراق محمولة في سيارات، تتحرك كل سيارة منها بين عدد من مراكز الاقتراع، خاصة في المناطق التي تترشح فيها لوائح كثيرة، وبدل ملء تلك المستخرجات كلها يدويا، يتم إعداد المستخرج يدويا ثم تصويره حسب عدد اللوائح، وفي هذا الصدد يمكن أن تطرح الكهرباء مشكلة، لكننا نعرف أن المدن الكبرى هي التي تشهد عادة تنافس عدد كبير من اللوائح، والكهرباء متوفرة فيها، كما أن المصورات لا تتطلب سوى مولدات صغيرة لتشغيلها، يمكن حملها في ذات السيارة،
3.مشكل الستائر يطرح هو الآخر نفسه، فهي عادة تثبت في زوايا المكتب، والمكان لا يسمح سوى بساترين اثنين على أكثر تقدير، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الزاويتين الموجودتين في مدخل المكتب غير قابلتين للاستغلال، نظرا لوجود مكاتب الرئيس ومعاونيه،
لمواجهة هذا المشكل، يمكن للجنة صناعة ستائر متحركة، الأمر بسيط، هيكل حديدي على شكل مكعب مكسو بقماش مفتوح في أحد جوانبه لتمكين الناخب من الدخول والخروج، مع مسند يضع عليه الناخب البطاقات للقيام بعملية التصويت، وهذا الساتر يمكن تنفيذه في أي من ورشات النجارة التي تغص بها البلاد،
ومن نافلة القول أن زيادة عدد الستائر في المكتب، ستمكن من كسب وقت ثمين، يضيع عادة نتيجة بطئ عمليات التصويت،
وفي الأخير، أذكركم، سيدي الرئيس، أن كلمة "سيني"، التي شاءت الأقدار، أن تكون اختصارا للجنتكم الموقرة، ارتبطت في المخيال الشعبي الموريتاني دائما بأشياء جميلة، ففي موسيقانا العتيقة، يعتبر "سيني"، من روائعها وزينة زينتها، وفي مطبخنا الغني، يعتبر "سيني مارو والحوت"، تحلية ما بعدها تحلية، وإنا لنعقد عليكم آمالا جسيمة، في ان تجعلوا "سيني الانتخابات" يضاهي "السينيين" الآنفين، بعد ما أصابه من عطب خلال السنين الخوالي،
واعذروا بعض أخطائي، فقد استخدمت هاتفي النقال لكتابة هذه السطور، لأن حاسوبي عاد إلى جنونه القديم،
مع كل التمنيات بالتوفيق، وأن نحتفل جميعا بهذا الوطن، ذات مساء يبقى محفورا في الذاكرة....
*****
الأستاذ: البشير عبد الرزاق