بسبب "الاستفزازات التركية" المتتالية، يدلي اليونانيون بتصريحات بالغة الحدة ضد تركيا، ويقولون: "نحن لسنا سوريا، التي دمرت". غير أن موسكو تستطيع أن تلعب دورا في مصالحة عضوي الناتو.
جاء في المقال:
دانت أثينا بتصريحات بالغة الحدة أنقرة. وقال اليونانيون: "نحن لسنا سوريا التي دمرت"؛ ملمحين إلى استعدادهم للمواجهة العسكرية، ردا على "الاستفزازات التركية" المتتالية.
في هذه الأثناء، ومهما بدا الأمر غريبا، تستطيع روسيا أن تلعب دورا في المصالحة بين الدولتين المتنازعتين عضوي حلف الناتو.
هذا، وقد وصلت درجة التوتر بين اليونان وتركيا إلى أعلى مستوياتها. إذ إن أثينا ردت بحدة على "الاستفزازات التركية" الأخيرة في منطقة الجزر المتنازع عليها في بحر إيجة. وقال وزير خارجية اليونان نيكوس كوتزياس، في مقابلة مع صحيفة "كاثيميريني" اليونانية، إن أنقرة لامست بتصرفاتها الخط الأحمر في العلاقات اليونانية-التركية. ذلك في إشارة منه إلى دخول السفن الحربية التركية إلى المياه الإقليمية اليونانية، وإطلاقها النار لاختبار مدى صبر أثينا، الذي أصبح على وشك النفاد على أي حال.
وبدأ اليونانيون يلمحون إلى استعدادهم للخيار العسكري، وحذر وزير الخارجية اليوناني أنقرة بالقول: "نحن لسنا سوريا التي دمرت، ولسنا العراق الذي تسوده الفوضى، وتركيا تخطئ إذا كانت تعتقد أن قوة اليونان الدفاعية قد وهنت بسبب الأزمة الاقتصادية". وأضاف كوتزياس أن "المشكلات الاقتصادية على العكس من ذلك فرضت علينا أن نركز جل اهتمامنا على تعزيز أمن بلادنا وسيادتها أكثر من أي وقت مضى".
وعلى الرغم من أن الخطاب اليوناني يهدف حصرا إلى الدفاع عن النفس، فإنه في الوقت نفسه يعكس تماما حقيقة أن اليونان باتت مستعدة لاستخدام خيار القوة العسكرية لمواجهة "العدوان التركي"، الذي يتمثل في الانتهاكات المستمرة من قبل الطيران الحربي التركي للمجال الجوي اليوناني، إضافة إلى الانتهاكات والتحرشات التي تمارسها السفن الحربية التركية في البحر.
وأمام هذا الحجم الكبير والمتواصل من "الاستفزازات"، فإن نسبة احتمال اندلاع الصدام المسلح أصبحت كبيرة جدا. إذ، وعلى الرغم من حالة ضبط النفس وحسابات كلا الطرفين، فمن الممكن أن يكون هنا لحالة الصدفة دورها غير المحمود. لهذا، وإذا لم يتم إحراز تقدم عاجل في التفاوض بين البلدين، ولم يتخل الطرفان عن الخطاب السياسي العدائي ضد بعضهما بعضا، فإن بحر إيجة قد يتحول إلى بؤرة حرب جديدة في أوروبا.
وقد يسبب احتدام العلاقات اليونانية-التركية صداعا جديدا للغرب. خاصة أن العلاقات المعقدة بين أثينا وأنقرة أثارت مرارا مشكلات كبيرة في عملية صنع القرار داخل حلف شمال الأطلسي. وقد اضطر الناتو إلى بذل كل جهد ممكن لمنع انتقال اليونان وتركيا من الاستفزازات المتبادلة إلى الصدامات العسكرية. وإذا حدث ذلك، فإنه سيكون حدثا غير مسبوق في تاريخ الحلف، الذي سيضطر إلى مساندة أحد أعضائه ضد الآخر. فكيف يمكن للناتو أن يستمر في العمل لاحقا؟
أما الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من علاقاته الصعبة تاريخيا مع تركيا، فليس من مصلحته أبدا تدهور العلاقة بين أثينا وأنقرة، لا سيما بعد التوصل ولو بصعوبة شاقة إلى اتفاق بشأن مسألة المهاجرين، والذي خفف ولو قليلا من أزمة المهاجرين في أوروبا.
وهكذا، فإن بروكسل وواشنطن لم تعيا بقدر كاف حتى الآن مدى أهمية تسوية العلاقات اليونانية-التركية.
وفي ظل هذه الأوضاع، يعلق اليونانيون آمالا كبيرة على روسيا. ويرى الساسة في أثينا أن موسكو وأنقرة تنسقان بنشاط جهودهما في سوريا، وتستعرضان مستوى عاليا من العلاقات الثنائية، وهذا العامل يمكن أن يساعدهم على ممارسة التأثير في الأتراك بواسطة الاتحاد الروسي. ويعتقد وزير الخارجية اليوناني نيكوس كوتزياس أن تصرفات أنقرة في بحر إيجة لا يمكن إلا أن تثير قلق روسيا. وقال: إذا كان أردوغان يظن أن روسيا ستستكين لهذه المشكلة، فهو ببساطة لا يعرف جيدا خصائص السياسة الخارجية الروسية.