العناوين العربيّة لمواجهة الأمركة والعولمة؟ | 28 نوفمبر

العناوين العربيّة لمواجهة الأمركة والعولمة؟

ثلاثاء, 18/10/2016 - 18:40
بروفسور نسيم الخوري

من يتذكّر مصطلح “العوربة”؟ هو غير العروبة؟

شهر بعض المفكّرين والكتّاب العرب العوربة في وجه ما سمّيّ العولمة وصدّقوا أنفسهم؟ من يتذكّر المؤتمرات والندوات والكتب التي إنشغلت بالعوربة والعولمة وظنّ البعض أنّ قدرةً لدينا لإجهاض فكرة العولمة؟

لا أحد… واجبي التذكير… لأنّنا لم نخترع قلم رصاص… ورصاص العالم ينخر عقولنا وأجسادنا منذ ما قبل فلسطين. تعمم جروح فلسطين فوق أجسادنا جميعاً ولا نشعر.

إنّ معظم ما كتب بالعربيّة، يرجّح الآراء التي كانت تدين العولمة، وتتطلّع الى العوربة كمنقذٍ من براثن العولمة الزاحفة إلينا بمظاهر”إستعمارية” جديدة. وقد يكون مفيداً أن نسوق نتفاً من الأمثلة والعناوين التي تذكّرنا بالعوربة كردّ فعلٍ لا فكرٍ على إجتياحات العولمة وكوارثها، للعبرة لا لكشف القصور العربي فكرياً فقط، في زمنٍ بدأت فيه فكرة العروبة والقوميّة العربيّة بالإنزياح والتشتّت ولربّما وصلت الى حدود الضمور والإنقراض، مع أنّ فروقات ظاهرة جوهرية مقيمة بين العروبة والعوربة التي راحت تحتمي بالماضي  بعد خواء الحاضر وغموض المستقبل.

جاءت النتائج تشويهاً لهذا الماضي وتفريغاً للحاضر والمستقبل:

أ- “العوربة والأسلمة في مواجهة الأمركة والعولمة” هو عنوان المؤتمر الضخم الذي أقامه مجمع اللغة العربيّة في القاهرة (10 أيّار/مايو 2005) بمشاركة أكثر من مئة باحث ومفكّر فى محاولة جادة للإحاطة الثقافية التأصيلية لمصطلح “العولمة” الذى دخل أدبياتنا كمصطلح إعلامى وسياسى واستراتيجى واقتصادي، ولم يدخل أدبياتنا العربيّة والإسلاميّة كمصطلح ثقافى أو أدبى أو فني الأمر الذى إعتبر العولمة نوعاً من “أمركة” العالم وتحويل ثقافاتها إلى عنصر دائم للرؤية الأمريكية التى تملي الأوامر والتعليمات فى رؤية مصلحية مأزومة وصبغه وصهره بإعادة التعبئة الإتّباعيّة، وفق سلسلة قاسيّة وحازمة من الأوامر والنواهي، وعلى من يخالف أو يتباطأ أن يتحمل التبعات بالحرب والتدمير الشامل.  وعلى الرغم من اللون السياسي الذي ظهر في الآراء، خلص المؤتمر بعد عشرين جلسة إلى عدة توصيات أهمّها “صياغة مشروع عربى لعتق الثقافة العربية من هذا الاجتياح وتلك الأعباء في الهيمنة الأمريكية التى تضع نيرها على عنق مجموعة من المارقين الذين يؤدون ما يطلب منهم، ويعملون معاولهم تهديما فى تراثنا ومبادئنا ولغتنا وحضارتنا وديننا”

ب- “العوربة والعولمة” سلسلة مؤتمرات عربيّة، دعت الى ايجاد صيغة تجميعية للدول العربية لمواجهة التحديات المتعددة التى تواجهها فى اطار العولمة وحضّت التجارب “الى ضرورة ظهور تكتلات عربية تجمع بين الدول العربية بهدف بلورة مشروع حضارى عربى يأخذ العرب من خلاله دورا فى اطار العولمة التى تودى الى بروز نظام عالمى جديد… فهل يملك مشروع ” العوربة ” تجاوز التصادم الحضارى واقناع الاخرين بأنه مشروع حضارى وليس مجرد مخطط عدائى مصادم… مع أنّ موضوع العولمة يرتبط ارتباطا وثيقا بالحياة اليومية للانسان العربى؟… لا يمكن للفكر أو للعقل العربى ان يظل بعيدا عن هذه الظاهرة التى تركت تأثيراتها على العالم العربى الذي يمكن أن تكون له رويته الخاصة لهذه الظاهرة الخطيرة انطلاقا من حق الشعوب فى ان تكون لها مشاركتها فى بناء الحضارة الانسانية وذلك امتدادا لمكاسبها الحضارية فى الماضي”.

ج- عقدت الجامعة الأردنية في عمّان في 28 نيسان /إبريل 2009 ،ندوة على مدى ثلاث جلسات ناقش فيها 12 أكاديمي “دور العولمة وأثرها في العلوم الإنسانية وأثرها على العوربة، وإنقسمت الآراء بين مؤيّدٍ أو رافض بالمطلق الى آراء باردة تقع في الخانة التوفيقية بين الوجهتين أعني الخانة الضحلة من الفكر.

د- وتدليلاً على صدمة العولمة الواسعة، نقع على عناوين كثيرة للمؤتمرات والدراسات والمحاضرات الكثيرة التي تطرّقت بحماسة ممانعة في معظم عواصم العرب لمعضلة العولمة تبرز تلك الجليّة منها في نماذج مثال: “سؤآل العوربة في مواجهة إلحاح العولمة”، “العوربة قبل العولمة”، “العوربة مقابل العولمة”،” العوربة والعولمة والخيار”، “إشكالية الهوية في الجزائر بين الأمزغة( من أمازيغ) والعوربة والعولمة”،”رؤى تربويّة وتعليميّة متجدّدة بين العوربة والعولمة”،”بؤس العولمة”، “العولمة والعوربة وفكر الإنتحار القومي” .

د- تقرأ عن العوربة بأنّها تصرع العولمة بأدواتها. فالعوربة الإعلامية انتصرت مرحلياً على العولمة، من حيث إنها وحدّت الشارع العربي على الأقل وجدانياً وسياسياً ضد السياسات الغربية الجديدة شبه الاستعمارية، ووسعت الاهتمام بقضايا العرب الرئيسية من المحيط إلى الخليج، وصهرت الهموم السياسية العربية في بوتقة واحدة… لكنّ نجاح العوربة كان سياسياً فقط. أما ثقافياً، وهو الأخطر والأهم، فقد راح الإعلام العربي يلعب دوراً عولمياً واضحاً، بحيث أصبحت بعض وسائل الإعلام العربية، السلاح الأمضى في أيدي سادة العولمة لنشر فكر العولمة عربياً وصهر العرب في البوتقة الغربية… وترافق التضاد السياسي بين الغرب والعرب مع تهافت ثقافي عربي كاسح على منتوجات العولمة الإعلامية الغربية…فقد أفرز عصر الفضاء إقبالاً هائلاً على الفضائيات التي بدت في معظمها غربيّة التوجه في الشكل والإخراج كما في المضامين وطبيعة البرامج المستنسخة للهياكل الإعلاميّة الغربيّة من منوّعاتٍ وموسيقى ومسابقات وترفيه ورقص… وفي هذا إنتصار ساحق للتغريب جعلنا نقفز الى الديمقراطية إعلامياً… وكأنّه مطلوب منا أن نتحول إلى أمة (مقلّدة) كما ألمح الى ذلك البروفسور والإعلامي الأمريكي المعروف عبد الله شلايفر عندما قال : “إن التأثير الإعلامي الأمريكي حوّل العرب إلى أمة (تتمثّل) بمايكل جاكسون”.

أين العوربة وأنشطتها من العولمة؟

 ذابت العوربة وهي سريعة الذوبان لا لكونها إبنة الإبداع بل لإرتجاليّة فيها لا تعبّر عن الواقع العربي، وإنطفأت في محيطات الفضائيات التي أغرقت الأرض بفيضان التواصل وما عاد أصحابها يذكرونها… وإنقسمت بين فضائيات متماهية مع مجتمعات الغرب بشاشاته وبرامجه مقابل فضائيّات تتسلّح بصيانة اللغة والمحافظة على القيم والمباديء والأصول، لنصل الى مرحلةٍ خطرة من الصراعات الدموية،   راحت عبرها الكثير من الأنظمة العربيّة تتنافس عبر الشاشات المحضة في خلافات قديمة تجعلها تبدو وكأنّها أدوات تذابح ما قبل القرون الوسطى وقد نسيت تحدّيات الغرب وأحابيله أوهي لا تتنافس معه وحسب بل تتصادم مع الفضائيات العربيّة الأخرى المشدودة بشكلٍ حادّ بالمغالاة في إنعكاس حاد لهوّة عميقة بين العرب تقتلعك من الجذور فتفضح عجزها وعجزنا معاً.

أستاذ مشرف وباحث في المعهد العالي للدكتوراه، لبنان