أين العرب من سياسات الجيل الثالث في الاقتصاد التشاركي؟ | 28 نوفمبر

أين العرب من سياسات الجيل الثالث في الاقتصاد التشاركي؟

اثنين, 11/07/2016 - 15:15
أين العرب من سياسات الجيل الثالث في الاقتصاد التشاركي؟

مرفت بنت عبدالعزيز العريمي

من المثير للدهشة أن تفتح لاغارد كوة من الأمل في جدار اليأس وتبديدها المخاوف من كساد الاقتصادي العالمي والتبعات التي كانت متوقعة من البريكست؛ بل اعتبرته حافزا لدول الاتحاد نحو ترسيخ مفهوم التكامل الاقتصادي وأكدت على أهمية المكاشفة والمصارحة واعتبرتها كلمة سر ومفتاح الحل كي تتمكن الدول الأروربية من ترسيخ هذا المفهوم لأن الاستمرار في غموض البريكست يعني المزيد من المخاطر.

وبهذا التصريح التفاؤلي تستطيع الدول العربية أن تلتقط أنفاسها لبعض الوقت وأن توجه أنظارها إلى حلول اقتصادية ناجعة ليس لإسعاف اقتصادياتها المتعثرة؛ بل إلى تشكيل قوه اقتصادية جديدة وتكتلات بما تملكه من المقومات البشرية والطبيعية للتحول إلى الاقتصاد المعرفي والصناعي فوفق تقرير مؤسسة ارنست اند يونغ فإنه بإمكان دول الخليج العربي أن تصبح سادس أكبر اقتصاد عالميعام 2030 لو حافظت على معدل النمو السنوي بمقدار 3.2

إذن الفرص مازالت متاحة أمام الدول العربية والخليجية معا في البحث عن سبل التكامل الاقتصادي وتذويب فجوة الاختلافات السياسية بالنظر إلى المصلحة العامة التي ستحافظ على كياناتها؛ فالمؤشرات العالمية والتغيير في السياسات الاقتصادية والتحولات في موازين القوة والتكتلات الاقتصادية بين القوى المتنافرة تشير إلى ميلاد جيل جديد من الاقتصاد الذي يستدعي الاستعداد له وتوفير بيئة اقتصادية تنافسية نشطة تعتمد على التشاركية بين قطاعات المجتمع المختلفة والتكامل بين الدول ذات المصالح المشتركة وعلى القيام بمجهود أكبر في جذب الاستثمار الأجنبي من خلال تحسين المواقع المراد استثمارها وفق خطط إنمائية واضحة وتذليل الصعوبات كافة والتي من أهمها: تحسين البنية التحتية والإدارية.

لذلك فإن الإسراع بتحسين البيئة الاقتصادية يعد مطلبا مهما ولكي تتمكن الدول الخليجية والعربية من مواكبة التحول فعليها التفكير جديا نحو إعادة هيكلة القطاعين العام والخاص هيكلة جذرية وتغيير سياساتها الاقتصادية الريعية وهندسه القطاع العام نحو سياسات تحقق لها استدامة التنمية وتنوع مصادر الدخل وذلك لأسباب عدة نذكر من أهمها.

أولا: إن الإجراءات التقشفية وخفض النفقات الحكومية وحدها لا تكفي لمواجهة الأزمة لأنها قد تتوقف عند نقطة المساس بخطط التنمية، وعبرت عن ذلك دراسة لصندوق النقد الدولي أكدت على أن تنفيذ المزيد من الإصلاح المالي ليس بالأمر اليسير وقد يتطلب إجراء المزيد من التعديلات في العقد الاجتماعي بين الحكومة والمواطنين تعد صعبة لمساسها بالمزايا الاجتماعية والأجور مما يتطلب من متخذي القرار إيجاد الطرق الكفيلة بتنفيذ تلك الإجراءات بشكل لا يؤثر على التماسك الاجتماعي وعلى فئات الدخل المحدود ويحافظ على معدلات النمو و حماية الأنفاق بالأخص على قطاعي التعليم والصحة

ثانيا: إن شبح الإرهاب المتنامي في العالم وتعدد أوجهه واتساع نطاقه إلى مناطق كانت في مأمن حتى وقت قريب مثلما حدث في التفجيرات الأخيرة في الكويت والسعودية قد يؤثر في التنمية الاقتصادية المرجوة التي تعتمد على الاستقرار الأمني كأحد أركانها الرئيسة بما في ذلك جذب الاستثمار الأجنبي وتطوير القطاع السياحي وتأمين خطوط الإنتاج لذلك فإن التنويع يعد العنصر الأساسي عند التخطيط للاقتصاد.

ثالثا: إن التطور التكنولوجي يحتم على الدول العربية المضي قدما للتحول إلى اقتصاد المعرفة وإجراء إصلاحات في المنظومة التعليمية والإدارية والمؤسسية والاتجاه إلى بناء مدن ذكية إن أرادت اللحاق بركاب التقدم وأن يصبح لها حصة من كعكة الاقتصاد العالمي الجديد فوفق الدراسات الاقتصادية فإننا في صدد تحول اقتصادي بدأت ملامحه تتضح وذلك بتوظيف الذكاءات الصناعية في عالم الأعمال كما حدث عندما تحول العالم من اقتصاد زراعي إلى صناعي نتيجة التقدم المتسارع في التكنولوجيا الأمر الذي اختصر معه المسافات وألغى مهنًا ووظائف عديدة.

رابعا: لقد كشفت الأزمة النفطية أن قطاعات كبرى من المؤسسات الخاصة في المنطقة العربية كانت تعتمد على القطاع العام لدعم أنشطتها الاقتصادية فتأثرت أنشطتها وعائداتها من جراء تقليص الإنفاق الحكومي وتأجيل المشروعات؛ لذلك فإن التوجه إلى تأسيس قاعدة اقتصادية صحيحة ومتنوعة يستوجب تطوير بيئة الأعمال، وتقديم حوافز أقوى للعمل في أنشطة القطاع الخاص عن طريق تقليل فجوة في الأجور بين العاملين في القطاع الحكومي والخاص، وتحقيق توافق بين احتياجات السوق والتعليم والمهارات، وتوجيه الموارد نحو النشاط الإنتاجي، وتوفير فرص عمل ذات معنى لتهدئة الضغوط الاجتماعية، وحل مشكلة البطالة بين الشباب لتعزيز الإيرادات الضريبية التي تجنى من الشركات.

ولتقليل هامش المخاطرة فإن اللجوء إلى نمط الاقتصاد المختلط والمخطط من قبل الدولة سيتيح أمام الحكومات العربية توجيه دفة اقتصاديتها والتحكم فيها لتجاوز الأزمة وهذه الخطوة سبق وإن طبقتها الدول الغربية مرتين؛ الأولى في الثلاثينيات أثناء الكساد الكبير، والثانية في الأزمة المالية عام ٢٠٠٨ من خلال شراء أسهم البنوك والشركات وإجراءات أخرى للتقليل من الركود والبطالة.

كما إن دعم القطاع الاقتصادي قد يأخذ أشكالا تشاركية عديدة من خلال انخراط القطاع العام  في المشروعات الاقتصادية الحيوية (وبالاخص الخليجي الذي يعتمد على موازنات  الممنوحة من الدولة)  وتوجيه مؤسساتها نحو الاستثمار لإيجاد مصادر دخل لتلبية متطلباتها والتقليل التدريجي من الاعتماد على الموازنات السنوية الممنوحة من الدولة وهذا من شأنه أن يدفع المؤسسات نحو مراقبة الإنفاق الزائد وتقديم حلول عمل مبتكرة مما يساهم في خفض الإنفاق العام للدولة.

ومن الضرورة بمكان الاتجاه إلى إصلاح نظام الخدمة المدنية وطريقة أدائه بما يواكب الخطط الاقتصادية فمن الملاحظ أن نظام الخدمة المدنية يمثل أحد ابرز التحديات التي تعيق تقدم الاقتصاد ويتمثل ذلك في البيروقراطية وعدم وجود إجراءات عمل واضحة مؤطرة بزمن وعدم وجود موائمة بين التخطيط الاقتصادي الطموح والتشريعات المعيقة لهذا التقدم وقد بدأت بعض الدول العربية خطوات في هذا الشأن.

فقد وصلت مديونية بعض الدول العربية الى ٨٠٪ من الناتج المحلي، هذا المؤشر يدعو إلى إعادة النظر في الإنفاق الحكومي وحجم القطاع العام وذلك باللجوء إلى تقليص حجم المؤسسات الحكومية أو ما يسمى بتصغير الحكومة وهندستها ودمج المؤسسات المتشابهة في الأعمال ليس فقط من أجل ترشيد الإنفاق بل من أجل تحسين الأداء وتعظيم إيراداتها ورفع جودة العمل وتقليص دورة العمل بتوظيف التكنولوجيا الحديثة وإيجاد قطاع رشيق يتحرك بسلاسة ولا يصبح عثرة أمام النمو ويتطلب هندسة إجراءات العمل ودراسة أهداف انشاء المؤسسات المستحدثة وتقييم أدائها المالي والإداري ومعرفة أسباب تعثرها وإصلاح مصادر الخلل فعلى سبيل المثال قدَّرت وزاره المالية الكويتية الوفر من عمليات دمج ٨ جهات حكومية بمقدار مليار دينار كويتي إلى جانب أن التغيير سيشمل نظام الأجور والحوافز للقيادات الحكومية.

ومع ارتفاع نسب الوافدين والذي وصل في بعض الدول الخليجية إلى ما يقارب النصف يستدعي النظر في إمكانية الاستفادة من هذا الوجود بتغيير سياسات الإقامة وفرض ضرائب على المقيمين وفق نظام عادل وليس عنصريا وإلا سيأتي بنتائج عكسية هذا بالإضافة إلى أن سياسات دعم السلع والخدمات المتبعة بحاجة إلى تقييم وإعادة النظر لأنها تشمل جميع فئات المجتمع وطبقاته ولا تحقق الغرض الأساس منها وهو دعم ذوي الدخل المحدود والعاطلين عن العمل لذلك فإن تغيير الدعم من الخدمات والسلع إلى فئة المستحقين وتوجيه الفوارق المالية من الدعم إلى برامج التنمية وغيرها من الإجراءات الكفيلة بخفض الإنفاق الحكومي وتنشيط القطاع الاقتصادي معا .

باحثة وكاتبة عمانية