غزو روسيا لأوكرانيا: كيف كشف "هشاشة" السلام في أوروبا؟ (مقال تحليلي) | 28 نوفمبر

 

فيديو

غزو روسيا لأوكرانيا: كيف كشف "هشاشة" السلام في أوروبا؟ (مقال تحليلي)

سبت, 12/03/2022 - 18:52

نشهد بين الفينة والأخرى لحظات نشعر فيها كما لو أن طبقات التاريخ تتحرك تحت أقدامنا لتعيد تشكيل القارة الأوروبية بعنف لافت.

لقد حان الوقت أن نعي بأننا نمر في لحظة من هذه اللحظات. وحان الوقت أيضا أن نتخلى عن حالة عدم التصديق التي نعبر عنها في أن ما يجري أمام أعيننا يحصل في عام 2022.

فالأمور ليست أصعب على التصديق الآن مما كانت عليه في عام 1914 (عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى) أو في 1939 (عند اندلاع الحرب العالمية الثانية) - فقبل اندلاع الحرب، فلم تكن هناك أي عوامل تشير إلى أن هذين العامين سيشهدان انسدال ستارة من الظلام على القارة الأوروبية. لا يعني ذلك بالطبع أننا نقف على شفير حرب قد تعم القارة بكاملها أو حتى العالم بأسره.

النقطة التي أود التأكيد عليها هي أن السلام هش في كل الأحوال - وأن ما يحدث على أطراف القارة الأوروبية النائية سيؤثر علينا جميعا بلا شك. وليس من اليسير استنباط الدروس الصحيحة من تلك اللحظات الحاسمة التي يتغير فيها كل شيء.

عند إعلان انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918، قال القائد العسكري الفرنسي فرديناند فوش إن هذه النهاية ما هي إلا هدنة ستستمر لعشرين سنة - وذلك لأنه شعر بأن الحلفاء المنتصرين في الحرب بالغوا فيما فرضوه من شروط على ألمانيا المقهورة. كان تقديره خاطئا بسنة واحدة فقط لا غير، إذ اندلعت الحرب العالمية الثانية بعد 21 عاما على انتهاء الأولى.

بالنسبة لجيلنا، فإن السؤال المحوري الذي ينبغي أن نجيب عليه هو ما إذا كنا قد ارتكبنا خطأ مماثلا بطريقة تعاملنا مع روسيا عقب انهيار الإتحاد السوفيتي. فنحن هللنا عندما انضمت بولندا ودول البلطيق (ليتوانيا ولاتفيا وأستونيا) وغيرها من دول أوروبا الشرقية إلى "العالم الحر".

بعدها، انضمت بولندا والمجر وجمهورية التشيك - وكلها دول كانت ضمن المنظومة الشرقية التيكان يهيمن عليها الاتحاد السوفيتي - إلى حلف شمال الأطلسي في عام 1999، ولحقت بها ليتوانيا ولاتفيا وأستونيا بعد سنوات خمس.

وبينما كان هذا أمرا فرحنا له في الغرب، لا يمكن أن ننسى أن الطاقة المظلمة التي تدفع الرئيس بوتين هي الوجه الآخر لتلك العملة. فبوتين يرى أن روسيا أهينت وحجّمت وحرمت مما يراه حقها في أن يكون لها مجال عازل عن أوروبا مشكل من دول خاضعة لنفوذها

يصوّر الرئيس الروسي ذلك برواية قصة - قد تكون صحيحة - من سيرته الشخصية. فبعد أن كان عقيدا في وحدات مكافحة التجسس التابعة للمخابرات السوفيتية، انتهى الحال ببوتين إلى العمل سائقا لسيارة أجرة. ربما يتصور البعض أنه كان سائقا صعب المراس.

وفي لحظة ما من تلك الفترة، تفتّق ذهن بوتين عن فكرة شبه روحانية تهدف إلى إعادة المجد الروسي التليد. وربما تعززت هذه الفكرة عندما نجح في ضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014، دون أن يحرك الغرب ساكنا. فبعد أربع سنوات فقط من قيامه بذلك، كنا نتمتع بمشاهدة مباريات كأس العالم التي استضافتها روسيا.

بعد نهاية الحرب البادرة، كان رد الفعل الرئيسي لأوروبا الغربية هو التمتع بإجازة دامت 30 عاما، لم تقم خلالها بالإنفاق جديا على الدفاع.

ففي وقت ما قبل بضعة سنوات، لم تكن إلا 4 من طائرات القوة الجوية الألمانية الـ 128 جاهزة للاستخدام القتالي، بينما كانت لهولندا خطة للتخلص من كل دباباتها الثقيلة. أعاد الهولنديون النظر في ذلك القرار، بينما أعلن الألمان عزمهم على إنفاق مبلغ 100 مليار يورو إضافي على الدفاع.

إنه لمن الجيد بالتأكيد أن يفكّر الألمان في ماضيهم الأسود، ولكن من الأفضل أن يمعنوا النظر في المستقبل أيضا.

المستشار الألماني الحالي أولاف شولتز ديمقراطي اجتماعي. هو لم يسع إلى الفوز بمنصبه عن طريق وعد ناخبيه بزيادة الإنفاق الدفاعي، ولكنه تصدى لتحديات المرحلة بشكل مثير للإعجاب.

فقد نقل عنه قوله للبرلمان الألماني، "لقد دخلنا مرحلة جديدة بعد غزو أوكرانيا". وقد لخّص التحدي الجديد بسؤال بسيط: "هل علينا السماح لبوتين بإعادة عقرب الساعة إلى الوراء؟، أو أن نحشد من القوة ما يكفي لوضع حدود لتجار الحروب من أمثال بوتين."

وهذا كلام غير اعتيادي من زعيم دولة كان سياسيوها يحاججون في وقت ما بأن الغزو النازي للاتحاد السوفيتي في 1941 جعل من التصدي للكرملين أمرا مستحيلا.

كانت السويد، وهي دولة غنية وذات تسليح جيد ولكنها غير منحازة، أول الدول الأوروبية التي شعرت بالرياح الباردة الهابّة من الشرق. وربما كانت أولى الدول التي قررت التصرف بناء على ذلك. فقد قررت زيادة انفاقها الدفاعي بـ 40 في المئة في خطتها الخمسية الحالية - إذ قررت تشكيل فرق مشاة جديدة وشراء أنظمة باتريوت صاروخية أمريكية.

وقال وزير الدفاع السويدي بيتر هولتكفيست بمنتهى البساطة، "نواجه وضعا نرى فيه استعداد روسيا لاستخدام السبل العسكرية لتحقيق مكاسب سياسية."

ولذا تبدو وجهة النظر البالية التي تقول إن العقوبات هي السلاح الوحيد الذي قد يحتاجه الغرب لمواجهة روسيا موضة قديمة الآن. فلا يمكنك مواجهة الدبابات بالبنوك. مما لا شك فيه أن أحدا لا يريد أن تتحول هذه القارة إلى معسكر مدجج بالسلاح، ولكن عندما تشعر بالأرض وهي تتحرك تحت قدميك عليك أن تتحرك معها. والتحرك الآن - بشراء السلاح والتبرع بالمال - هو الأمر اليسير خصوصا وأن الجرح ما زال جديدا.

ولكن حقبة الاحتواء الجديدة ستتطلب المزيد. علينا الوقوف إلى جانب الأوكرانيين بالتأكيد، ولكن علينا أيضا التحلي بالشجاعة والإقدام والرؤية الثاقبة والقدرة على الصمود من أجل حماية الحرية أينما كان مصدر التهديد المقبل.

 

كيفين كونولي: محلل بي بي سي

 

نقلا عن: بي بي سي عربي