بوسائل متواضعة وإمكانيات محدودة وسط حقول ممتدة في الأفق، تتناثر أعرشة خشبية مغطاة بالقماش تتخذها المزارعات في منطقة "شمامه" بولاية اترارزة، مأوىً تتولي فيه إلى الظل، وتنهضن منه لزراعة الخضار.
على ضفة نهر صنهاجة، جنوبي البلاد، تغدو نساء من أمهات "أم القرى" مع خيوط الفجر الأولى كل صباح، نحو مزراعهن ليُرحن بما يسدين به غلة أطفالهن من منتوج الخضروات.
عيشة منت الحسين، شابة مزراعة تروي قصتها مع الأرض وهي تحمل فأساً على كتفها، فعلى أديمها وُلدت فكبُرت ومن باطنها عاشت وترعرعت وسط عائلة قالت إنها "توارثت الزراعة كابرا عن كابر".
وتقول الشابة عيشة: "وجدت نفسي كغيري من بنات "شمامة" بين السهول والحقول تمضي بنا الحياة مع الآباء والأجداد حيث الإخلاص والصبر في مهنة علمونا أنها الرزق الحلال".
مهنة تقول المزارعة عيشة إنها لم تعد حكراً على الرجال بعد أن اقتحمت النساء ميدانها، فتشكلت التعاونيات وتعددت المجالات، وتوجهت الدولة فيها لدعم التعاونيات وتشجيعها، فساهمت بذلك في رفع المنتوج الوطني وتحسين جودته.
إلا أن عيشة ترى أن أكثر ما تخشاه التعاونيات الزراعية على مردودية زراعة الخضروات، هو توقف المياه أو انحسارها عن الحقول وسط موسم البذر، ما يحعلها عرضة للتلف أو التأخر عن عملية الحصاد.
وهذا ما تؤكده أماه بنت أحمد، التي بدأت للتو في بذر مزرعتها، وتقول إن الماء هنا أعز مفقود، كما أنه أعز موجود، لحجم الضغط على الموارد المائية والتفاوت في مستوى الوصول.
وتطالب بنت أحمد بضرورة الإسراع في حل مشكل المياه وتزويد التعاونيات بمضخات قادرة على الريّ بطريقة انسيابية وآمنة من أجل حماية المنتوج.
وهنا تضيف عيشة: "رغم ما يصلنا من مدخلات وبذور توفرها الدولة، إلا أن "كمياتها لا تكفي لمواكبة حملة الخضروات" ونأمل أن "تتضاعف في الحملات القادمة".
البطاطا والجزر والبصل والطماطم والبطاطس والفلفل، أكثر المنتوجات رواجاً وانتشارا، تتوزع على طاولات أمام بائعات الخضار في ممرات الأسواق وعلى الأرصفة.
وعلى مسافة غير بعيدة من "أم القرى"، تتجمع نسوة أخريات في تعاونية "السلامة" لزراعة الخضروات في وضع لا يختلف كثيرا عن باقي التعاونيات، بنفس الوسائل والأدوات.
السالمة بنت دمب، مزراعة في عقدها الخامس لم يثنها وجود زوجها في مزرعة أخرى عن الزراعة لتتقاسم معه الكفاح من أجل لقمة العيش وما تؤمن به تكاليف ومتطلبات دراسة الأطفال.
تقول السالمة، رئيسة التعاونية، إن اهتمام السلطات بالزراعة وما توليه للخضروات خاصة، هو ما دفع بزميلاتها إلى الاستثمار في هذا المجال رغم النواقص والتحديات التي لاتزال قائمة.
ويقول موردو الخضار، إنه في الوقت الذي تتوجه فيه الحكومة إلى دعم التعاونيات القروية لزراعة الخضروات وتطوير شعبها، تطرح آلية تسويقها إشكالاً لدى معظم التعاونيات خاصة في المناطق النائية عن السوق.
وتقدر مندوبية الزراعة في اترارزة المساحات المزروعة للخضروات في الولاية بأزيد من 3 آلاف هكتار لهذا العام في الحملتين الخريفية والصيفية.
وتأمل التعاونيات الزراعية النسوية في شمامه، زيادة المنتوج لهذا العام لتموين السوق بالخضار خاصة مع اقتراب شهر رمضان المبارك.
نقاط متفرقة ومتعددة لبيع الخضروات.. هذا ما يلاحظه المتجول في الأسواق أو المسافر على طريق روصو - بوكى، والتي تحولت قراها إلى سوق نابض أنعشته مزارع نساء "شمامه".
نقلا عن: وما