قرّر الرئيس التونسي، قيس سعيد، استبدال الرابع عشر من يناير/ كانون الثاني بالسابع عشر من ديسمبر / كانون الأول تاريخا لإحياء ذكرى "الثورة" التي أطاحت بالرئيس الراحل، زين العابدين بن علي، قبل نحو أحد عشر عاما.
وقد وبرّر سعيد قراره بالقول، أمام اجتماع للحكومة، إنّ "الانفجار الثوري انطلق من سيدي بوزيد ولكن للأسف احتُويت الثورة حتّى يتمّ إقصاء الشعب عن التعبير عن إرادته وعن الشعارات التي رفعها".
وفتح قرار سعيد الباب على مصراعيه أمام جدل بين سرديتين متناقضتين، في كثير من الأحيان، إذ لم يحسم الدستور التونسي، عام 2014 الجدل بشأن السلم الزمني "للثورة".
وانتهى النصّ الذي صيغ بشكل توافقي إلى التنصيص في توطئته على تسميتها بـ"ثورة الحرية والكرامة ثورة 17 ديسمبر 2010-14 يناير 2011"، بينما أصبح الرابع عشر من يناير من كلّ سنة يوم إجازة رسمية.
ويرى المحلل السياسي، سعيد الزواري، إلى أنّ الرئيس يتجه إلى قطيعة مع الدستور، بالنظر إلى أنّ النصّ حسم في التاريخ، مضيفا أنّ المسألة ليست محلّ نقاش، حاليا، ولم تكن مطلبا حتّى بعد 25 يوليو/ تموز الماضي، تاريخ تعليق سعيد أعمال البرلمان وتفرّده بالحكم.
ويوافق السابع عشر من ديسمبر تاريخ إضرام الشاب محمد البوعزيزي النار في نفسه، بمدينة سيدي بوزيد، وسط البلاد، لتندلع تظاهرات صاخبة، بينما يؤرخ الرابع عشر من يناير لمغادرة بن علي البلاد متوجها إلى منفاه السعودي.
تأريخ أحادي الجانب؟
ويقول المؤرخ التونسي، عدنان منصر لبي بي سي نيوز عربي، إنّ الأسلم أن يكون هناك حوار هادئ يفضي إلى اتّفاق يكون في معظم الأحيان غير معلن بشأن تاريخ له رمزية بالغة في حياة الشعوب والأوطان، بشكل يصبح به ذلك التاريخ مشتركا بين مختلف مكوّنات المجتمع.
لكنّ منصر أشار إلى أن تونس عرفت سابقة من خلال إعلان الأول من يونيو من كلّ عام عيدا للنصر. والأوّل من يونيو هو تاريخ عودة الزعيم التونسي الراحل، الحبيب بورقيبة، عام 1955، من منفاه الفرنسي. وبمجرّد أن وصل بن علي إلى الحكم، عام ١1987، في أعقاب انقلابه على مؤسس الجمهورية التونسية، ألغى الاحتفال بعيد النصر.
سرديتان تاريخيتان بطعم اجتماعي
ويذكر سعيد الزواري أنّ سعيد يسعى إلى محو أيّ أثر لما يعتبره المنظومة السابقة، في إشارة للحكومات التي تعاقبت على السلطة منذ عام 2011، وهو ما يدعمه منصر بالقول إنّ 17 ديسمبر ارتبط أساسا بالمناطق الداخلية المهمشة والخروج العفوي لمواطنين لا ينتمون بالضرورة لأحزاب أو نقابات، على عكس 14 يناير، الذي شهد، قبيل ساعات من رحيل بن علي، انضمام معظم القوى السياسية والنقابية والحقوقية إلى الجماهير في مظاهرات جابت معظم أرجاء البلاد، وبلغت ذروتها في شارع الحبيب بورقيبة، وسط تونس العاصمة.
ويضيف منصر أنّ علاقة سعيد بمختلف الفاعلين في الشأن العام تكاد تكون معدومة، إذ لا يؤمن بالتنظّم الحزبي ولا يبدو متحمّسا للتعامل بشكل واسع مع النقابات.
وكان سعيد قد أعلن، الشهر الماضي، نيّته تنظيم حوار وطني يشارك فيه الشباب بشكل أساسي، في حين تطالبه أحزاب سياسية ومعها الاتحاد العام التونسي للشغل، كبرى النقابات في البلاد، إلى حوار شامل يفضي إلى صياغة خريطة طريق.
"المأزق الاجتماعي"
ولا يستبعد المحلل السياسي، سعيد الزواري، أن يكون سعيد قد اصطدم بمشاكل اقتصادية واجتماعية جمّة تواجهها البلاد، ما دفعه، على حدّ تعبيره، إلى "إحياء قضايا هامشية".
لكن، الثابت، بالنسبة للزواري، هو أنّه "في الوقت الذي ينتظر فيه الشعب، وخاصة الشباب المساند لسعيد قرارات تتماشى وتطلعاته، يذهب الرئيس التونسي شيئا فشيئا إلى طمس تلك التطلعات".
وتواجه تونس أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة. وارتفعت نسبة البطالة 18 ٪ وبلغت مستوى قياسي لدى الشباب تجاوز 42 ٪.
وقال سعيد، الأربعاء، أمام اجتماع حكومي إنه سيعلن عن مواعيد ينتظرها الشعب في القريب العاجل، مشدّدا على أنّه "لا مجال للرجوع إلى الوراء".
نقلا عن: بي بي سي عربي