أثار قرار المغرب عدم استضافة القمة العربية في دورتها العادية رقم 27 التي كانت مقررة يومي 7 و8 نيسان/أبريل المقبل في مدينة مراكش مشاعر من الانزعاج في أوساط رسمية مصرية، وكذلك صدمة في مقر الجامعة العربية في القاهرة، ليس فقط الإعلان المفاجئ عن القرار، لكن للأسباب القوية التي أوردها المغرب في قراره، وهي تشير بوضوح إلى الفشل المتواصل للجامعة العربية في مواجهة الأزمات والصراعات العربية المزمنة، ما يثير أسئلة صعبة بشأن إن كانت هناك فائدة من بقاء الجامعة نفسها.
وحسب مصدر دبلوماسي مصري مقرب من الجامعة العربية تحدث لـ«القدس العربي» بشرط عدم ذكر اسمه «القرار المغربي أثار شعورا بالصدمة داخل الجامعة، خاصة ان صياغته أعتبرت ضمنيا أنه لا جدوى من انعقاد القمة العربية، وان ما تشهده القمم العربية من إلقاء للخطب لا يعدو سوى مناسبات بروتوكولية تفتقد إلى تأثير عملي في سبيل حلحلة الأوضاع العربية المتأزمة، كما انه يعني بوضوح ان رئاسة القاهرة للقمة الحالية فشلت في تحقيق أي انجازات تذكر، ناهيك عن ان تولي عاهل المغرب لرئاسة القمة المقبلة يلزمه بروتوكوليا بحضور القمة في موريتانيا لتسليمها الرئاسة».
وأضاف «الحقيقة ان الموقف المغربي ليس جديدا تماما، إذ انه تحفظ دائما على المشاركة على مستوى القمة، إلا ان البعض داخل الجامعة وفي أوساط الحكومة المصرية، اعتبر ان صيغة القرار المغربي كان يجب ان تكون أكثر دبلوماسية، خاصة ان المغرب يشارك دوريا في كافة الاجتماعات العربية، وإذا كان يرى ان لا فائدة تذكر منها كان يفترض الا يحضرها بما في ذلك القمم العربية».
وحسب بلاغ لوزارة الخارجية والتعاون، فإن المغرب قد استند في قراره إلى مبررات تبدو قوية:
– أولا، اعتبر أن القرار شرعي لكونه اتُخذ طبقا لمقتضيات ميثاق جامعة الدول العربية، وبناء على مشاورات تم إجراؤها مع عدد من الدول العربية الشقيقة، ومن موقع البلد الملتزم بنجاعة العمل العربي المشترك.
– ثانيا إن انعقاد القمة العربية لا ينبغي أن يتحول إلى هدف في حد ذاته، خصوصا وأن الظروف الموضوعية لا تتوفر لعقد قمة عربية ناجحة، ما يعني أن المغرب متخوف من احتضان قمة فاشلة.
– ثالثا، إن القمة المقبلة لن تُعرض فيها أي مبادرات مهمة أو تُتخذ فيها قرارات هامة يمكن عرضها على القمة، وبالتالي سيكون الاجتماع مجرد مناسبة للمصادقة على توصيات عادية، بعد إلقاء الخطب التي تعطي الانطباع الخاطئ بالوحدة والتضامن بين دول العالم العربي. وعليه، فإن المغرب يتطلع إلى عقد قمة للصحوة العربية، ولتجديد العمل العربي المشترك والتضامني، باعتباره السبيل الوحيد لإعادة الأمل للشعوب العربية، تاركا هذا الأمل مفتوحا على المستقبل.
وكانت الجامعة العربية قالت في بيان لها، أن الأمين العام الدكتور نبيل العربي تلقى اتصالا هاتفيا من وزير خارجية المغرب صلاح الدين مزوار أبلغه فيه عن اعتذار المملكة المغربية عن استضافة القمة المقبلة، ولكن المغرب أكد أن سيواصل عمله الدؤوب في خدمة القضايا العربية العادلة ومحاربة الإنقسامات الطائفية التي تغذي الإنغلاق والتطرف.
وقال الدكتور حسن نافعة، استاذ العلوم السياسية «الأسباب الحقيقية لإعتذار المغرب لا يمكن معرفتها إلا من خلال التحليل السياسي ومعلومات مؤكدة من صانع القرار المغربي نفسه، لكن من الواضح ان الأوضاع السيئة التي يمر بها العالم العربي وصلت إلى درجة تزعج أي رئيس دولة في ان يستضيف القمة، لأن هناك مشاكل كثيرة ومعقدة، حتى انه أصبح من الصعب الحكم في ان هناك امكانية استضافة أو حضور سوريا للقمة وما زال الأمر بالغ الخطورة والتعقيد في الوقت الذي تجري فيه مفاوضات بين وفد حكومي يُمثل الرئيس الأسد والمعارضة، فكيف يمكن انعقاد القمة في مثل هذه الظروف بدون حضور سوريا؟ وهذه واحدة من ضمن عشرات القضايا التي يواجهها العالم العربي ولم نجد لها حلا».
وأضاف «إن أي قمة سوف تٌعقد خلال هذه المرحلة إما ان تتجنب الخوض في المشاكل الحقيقية وبالتالي تكتفي بإصدار بيانات بلاغية كالعادة أو ان تعالج المشاكل المدرجة على جدول الأعمال بشكل حقيقي. ولكن هناك ربما ما هو أخطر، وهو ان مستوى التمثيل في القمة المقبلة ليس مضمونا، فأنا أشك في ان يحضر كل القادة العرب أو أغلبهم على الأقل وبالتالي من الأرجح ان يكون مستوى التمثيل منخفضا للغاية، وهذا سيكون بالنسبة لرئيس دولة إهانة شخصية له أو عدم تقدير لبلاده، وبالتالي فضل المغرب الاعتذار. ولكن الاعتذار في حد ذاته مشكلة أخرى لأن هناك التزاما على القادة العرب ان يجتمعوا بشكل دوري مرة واحدة على الأقل كل سنة، وبالتالي فإن لم يجتمعوا فسيكون هذا خرق للميثاق وربما بداية لإنفراط العقد العربي، والذي تصور البعض ان الاتفاق على دورية انعقاد القمة هو خطوة سوف تؤدي في النهاية إلى خطوات تتلوها في إتجاه إصلاح الجامعة العربية وهو ما لم يحدث. إذن فهم في مأزق كبير ومن الممكن تفهم الأسباب لدى المغرب ولكن الاعتذار ليس حلا وبالتالي فلابد من انعقاد القمة في أي دولة ولابد من ان ينتبه القادة العرب إلى ان النظام العربي وصل إلى الحضيض وأوشك على الانهيار وما لم يحدث شيء لإنقاذه سيغرق هذا النظام».
وقال الدكتور سعيد اللاوندي، الخبير في العلاقات الدولية «ليست هناك أسباب خفية في اعتذار المغرب عن استضافة القمة العربية، فما يعلنه المغرب هو ما يخفيه، ولكن خوف المغرب معتاد من ألا تصل القمة إلى قرارات معينة أو ان تتعرض إلى هجوم من جانب الشعوب العربية، ولكن هذه أسباب واهية لا يمكن ان تؤدي إلى تأجيل القمة».
وأضاف «ان المغرب حريص جدا على دورية انعقاد القمة ولكن ربما يريد ان يوفر عناصر معينة لنجاح هذه القمة وهذا يتطلب المزيد من الوقت، ولكن ليست هناك أسباب موضوعية بشكل أو بآخر للمغرب ولكن حرصا منه على ان تكون قرارات القمة ناجحة ومحورية سيما واننا نعيش أزمة حقيقية في العالم العربي كله مثل قضية اليمن وسوريا وليبيا وتونس، فكل هذه الأزمات تُلقي بثقلها على القمة وتجعل هناك تحديات، واعتقد ان الملك محمد السادس لم يشأ ان تفشل القمة أو ان تكون تحصيل حاصل أو تكون نتيجتها كأن لم تنعقد أصلا، وبالتالي فإنه اعتذر وهذا حقه في بنود القمم العربية التي تعطي كل دولة الحق في ان تستضيف القمة أو تعتذر عنها تاركة المجال لدولة أخرى».
وأكد «ان القمة سوف تنعقد هذا العام ولا يتم تأجيلها للعام المقبل ولكن ربما تتأخر عن موعدها قليلا ولكن في النهاية ستنعقد لأن التحديات كبيرة وانعقادها أفضل كثيرا من عدم انعقادها».
وكان المؤتمر العربي سيكون أول قمة عربية يحتضنها المغرب في عهد الملك محمد السادس. إذ تعود آخر قمة احتضنها المغرب إلى سنة 1989. ولم يحضر الملك محمد السادس إلى مؤتمرات القمة العربية سوى مرتين: الأولى كانت في بيروت سنة 2002 وتبنت مبادرة السلام العربية التي تقدمت بها السعودية، وحضرها الملك بعد إلحاح شخصي من وزير الخارجية اللبناني حينها غسان سلامة، أما الثانية فكانت في الجزائر سنة 2005 وحضرها الملك دعما لهذا البلد الجار، كما أنها شكلت فرصة للقاء قمة هو الثاني من نوعه بين الملك والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. غير ذلك، لم يحضر الملك أيا من مؤتمرات القمة العربية. وفي سنة 2009، لما ألحت قطر على حضوره، صدر بلاغ عن الديوان الملكي يؤكد أن مؤتمرات القمة العربية تحولت إلى منبر للخطابة فقط، ولم تعد تتخذ القرارات المجدية.
القدس العربي