كشفت معلومات إستقصائية عن قطاع الصيد في موريتانيا عن معطيات في غاية الغرابة تتعلق ببعض الممارسات التي أضرت كثيرا بقطاع الصيد بالبلاد منذ سنوات نتيجة الإفراط في الصيد، وغياب الرقابة المطلوبة.
الصحفي الموريتاني المخضرم محمد محمود بكار دون عبر حسابه في فيسبوك عن تفاصيل عديدة من بينها نفوق كميات كبيرة من السمك، وتوقعات تفيد بتقلص المخزون الموريتاني من صيد الأسماك.
التدوينة التي نشرها موقع "العلم" كشفت عن قرب عودة بعثة دراسة المخزون التابعة لمركز دراسة المحيطات والصيد في نواذيبو التي تستغرق قرابة الشهر، والتي تقوم بها مجموعة من الخبراء والدارسين التابعين للمركز، حيث سيصدر المركز على خلفيتها تقريرا يتضمن استشارة لوزارة الصيد تمكنها من تحديد مناطق الصيد، وعدد الرخص، أو الكمية التي يمكن إصطيادها: أي المجهود الوطني للصيد، ولكل عينة، مشيرا الى أن عادة ما يتضمن التقرير السري توصيات للحفاظ على المخزون وفق نص التدوينة التي قالت بأن التسريبات عن نتيجة عمل البعثة تؤكد الإفتراض الذي طرحه بعض المتابعين للقطاع من أن زيادة مجهود الصيد زاد من الضغط على المخزون مما يثير مخاوف من تراجع مخزون البلد من صيد الأعماق.
التدوينة قالت إن نفوق كميات هائلة من السمك هو بسب أحد احتمالين، البواخر الأجنبية، أو حالة تسمم إذ طفت يوم أمس كميات هائلة من السمك متنوعة، و بأحجام مختلفة على الشاطئ مقابل جزيرة "آركيس" في منطقة حوض آرگين المحمية الرئيسية لتكاثر السمك في موريتانيا، وقد أثار حجم الكمية الكبيرة الملقاة على طول ساحل الجزيرة هلعا كبيرا خاصة بالنسبة للمحمية التي قدرت بأن تكون هذه الكمية بأحجامها المختلفة قد رمتها إحدى البواخر الآسيوية التي تصطاد في منطقة قريبة من هناك بعدما تأكدت أنها لا تصلح لها تضيف التدوينة.
البواخر الآسيوية في المياه الاقليمية الموريتانية ظهرت مع حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز عبر نمطين من الرخص: من ضمنه مصانع دقيق، وزيت السمك (موكا)، حيث إذ يتهم هذان النمط من الصيد بالتسبب في خسارة كبيرة للثروة، والمداخيل، وفتح باب للاستنزاف المضر بقطاع الصيد.
نظام الصيد الموريتاني يعتمد على رخصة سنوية مقابل عديد من الإمتيازات، بما فيها الرسوم المخفضة على الولوج إلى الثروة، بينما يحدد النظام الأجنبي تعرفة مرتبطة بحجم المقبوضات حيث يتم دفع 123 أورو عن كل طن تم إصطياده من سمك السطح.
هنالك مشكلة أخرى تتمثل في أن إنتاج طن واحد من دقيق السمك (1200 دولار ) يتطلب سحق 5 طن من السمك معدل سعر الطن 800 دولار أي أن الفارق في الثمن 2400 دولار تذهب هدرا، هذا بالإضافة للمجهود التدميري على الثروةً حيث أن هذه البواخر بالنسبة للصيد تعد ناقلات فقط، وليست بواخر متخصصة، فهي تصطاد كمية كبيرة في آن واحد، وبصفة تؤثر على نحو مقصود على سلامة السمك، حيث يحدد القانون أن النسبة المخصصة لمصانع الدقيق تكون أولا غير قابلة للبيع، وتتراوح إجمالا بين 15و40% من الكميات المصطادة حسب النوعيات، وهناك نوعيات محرمة تماما على هذه البواخر إصطيادها.
نظام الرخص في القانون الموريتاني يحدد آلية عمل البواخر الأجنبية، لكن الأخيرة تتهم بالعمل خارج المحددات الموقع عليها في دفاتر الإلتزامات، كما تجاوزت الرخص الممنوحة خلال العشرية الماضية 50 مصنعا بين نواكشوط 19 مصنعا، ونواذيبو31 مصنعا، في حين أنه منذ ستينيات القرن الماضي، وإلى حكم الرئيس السابق - وفق التدوينة دائما - لم يكن هناك سوى 4 مصانع فقط، ينضاف لذلك مشكل آخر متمثل في بيع حصص من سمك الأعماق، خاصة الأخطبوط، فقد تم توزيع رخص اصطياد أكثر من 15000طن من السمك زيادة على 23000 طن هي الكمية التي يصطاد الأسطول الوطني، ويمثل هذا التوزيع زيادة استثنائية على المخزون بأكثر من الثلث تقريبا، حيث يحدد مركز المحيطات سقف المجهود ب 28000 طن سنويا من الإخطبوط، وكانت جميع التوجهات السياسية في إدراة ملف الصيد من حكم الرئيس الاسبق ولد الطايع إلى تسلم ولد عبد العزيز للسلطة تتجه نحو تقليص الجهد على صيد الأعماق، خاصة الرأس قدميات لأنها هي الثروة المتجددة للبلد، والتي تنبني عليها سياسية الصيد من ناحية التشغيل والمداخيل وغيرها، لكنه منذو العام 2009 تمت زيادة الأسطول ب 100باخرة تقريبا، في حين كانت سياسية الصيد في السابق تقوم على تخفيض المجهود أي الضغط على الثروة، ومنع منح أي رخصة (حتى البواخر التي غرقت أو تهالكت ظلت الدولة تمانع في منح رخصة لبواخر بديلة عنها)، كما شكل حجم المقبوضات ضغطا على التخزين بحيث لا تتجاوز قدرة التخزين 25 ألف طن بينما تمثل نسبة الكميات المصطادة من جميع أنواع السمك القابل للتخزين 75000 ألف طن، وهو ماجعل سعر السمك باستمرار في تراجع، وجعل سياسية التسويق متذبذبة، لأن الزبناء لديهم شركاء مخبرين موريتانيين يزودونهم بالمعلومات المتعلقة بقدرة التخزين، وبوضعية المقبوضات من ناحية الوفرة، علاوة على منح حصص لمجموعة خارجة القطاع: (محسوبون على الرئيس السابق، رجال أعمال جدد، ساسة، وزراء)، وهذ النوع من الرخص يتم بيعه عادة بالمزاد وفي إطار نظام الصيد الموريتاني، وكان من مساوئه إغراق السوق ببواخر صيد تتمتع بحماية سياسية قوية، وهي في الأساس أقل التزاما بالنظم والقوانين وأكثر أهلية للفساد والرشوة، في حين يتم منع الأسطول الموريتاني الذي يملكه رجال أعمال موريتانيين من الحصول على 100إلى 150طن سنويا للباخرة الواحدة.
وينتظر الموريتانيون ما سيعلن عنه وزير الصيد المعين حديثا، حيث يتوقع أن يعلن يوم الاحد المقبل عن سياسته الجديدة للقطاع، بعد ثلاث أسابيع من الإستماع، والتقييم، ودراسة وضعية القطاع، الذي يتفق كثيرون على انه تأثر سلبا بشكل واضح من الخطط التي طبعته في السنوات العشر السابقة.