التيار اللغز ! | 28 نوفمبر

التيار اللغز !

جمعة, 18/06/2021 - 17:15
الشيخ ولد حرمة

الاغتصاب جريمة بشعة، اكتشف الموريتانيون بشاعتها متأخرين، ولعلنا نتذكر جريمة اغتصاب مقترن بالقتل عام 2013، تعرضت لها «خدي توري» البالغة من العمر سبع سنوات فقط، فتركت جرحا غائرا في نفوس الموريتانيين.

أتذكر أن ناشطات نسويات تظاهرن 31 أكتوبر 2013، أمام القصر الرئاسي للمطالبة بسن قوانين رادعة لمرتكبي جريمة الاغتصاب، لم يزد حينها عدد المحتجات على العشرات !

تكررت جرائم الاغتصاب، وكان أغلبها مقترنا بالقتل، واستمرت الاحتجاجات واتسعت، حتى عرض أمام البرلمان «#قانون مكافحة العنف ضد النساء والفتيات»، راجعه فقهاء في «مجلس الفتوى والمظالم»، ليتماشى مع الشريعة الإسلامية، ولكن القانون الذي اشتهر باسم «#قانون_النوع»، واجه رفضًا كبيرًا من طرف نواب البرلمان، ومن ضمنهم نواب حزب «تواصل» الإسلامي، الذين تصدروا صفوف الرافضين، وظهروا في الإعلام يهاجمون القانون، حتى حولوا رفضه إلى قضية رأي عام في البلد، فسقط القانون وبقي الاغتصاب منتشرًا.

وفيما كانت الجريمة، اغتصابا وقتلا، تجتاح البلد، لم نشاهد أي وقفات ولا مظاهرات تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، ربما يكون ذلك متفهمًا بالنظر إلى «الوضع غير الطبيعي» الذي كان يعيشه البلد آنذاك، فالنظام القائم كان شرسا في تعامله مع «الإسلاميين»، خاصة بعد حادثة تمزيق المصحف الشريف، لذا كانت المواجهة مؤجلة.

المفارقة هي أن التيار السياسي الذي تقاعس عام 2013 عن الاحتجاج على جريمة اغتصاب وقتل في حق طفلة، وساهم في إسقاط القوانين المجرمة للاغتصاب والتي تحمي المرأة، ها هو اليوم يتصدر المحتجين ضد الاغتصاب والجريمة، وهي خطوة محمودة واستفاقة مهمة، مهما كانت متأخرة.. ولكني أعتقد أن هنالك محاولة واضحة لاغتصاب قضية عادلة من أجل تحقيق نزوة سياسية عابرة !

يتصدر «محاولة الاغتصاب» نائب برلماني سابق عن حزب «تواصل»، يدعو بشكل صريح إلى «مظاهرة مليونية» للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، بل إنه أطلق اسم «ولكم في القصاص حياة» على الحراك الرافض للاغتصاب، وأعلن أن اليوم هو «جمعة التحدي».. بم تذكركم هذه المصطلحات ؟!

لا أعتقد أن أي موريتاني يعارض مبدأ تطبيق #الشريعة_الإسلامية، ولكن هذا الشعار (إن لم يكن سياسيًا) لا يكفي رفعه في المظاهرات من طرف علماء لهم مكانتهم حتى يتحقق، بل إنه يتوجب تحديد الشريعة التي يسعى هؤلاء العلماء لتطبيقها، في وقت يقف كل فصيل ليدعي أنه يملك حق تحديد مفهوم الشريعة، وفق هواه ورغباته، بل إن الدولة نفسها تدعي تطبيق الشريعة، وتقول إن القانون مستمد منها.

من الناحية السياسية فإنني أستغرب استغلال التيار الإسلامي للجرائم الأخيرة، من أجل توجيه ضربات من تحت الحزام للرئيس محمد ولد الغزواني، وهو المحاط ببعض رموز التيار، وأعاد ترخيص جمعية المستقبل، الذراع الخيرية والدعوية للتيار، بعد سنوات من التضييق عليهم، حتى كاد النظام السابق أن يسحب ترخيص حزب «تواصل»، طبعًا ليست تلك حجة للمن على «تواصل» ولا على «الإخوان»، فقد كانوا مظلومين وقد استعادوا حقًا من حقوقهم الدستورية: الحق في التنظيم.

ولكن السؤال المطروح: هل تنفس التيار وبدأ ينطح ؟!

وأخيرًا حتى لا أنسى.. الأمن والإحساس به حق من حقوق المواطن على الدولة، ولا مساومة فيه، وحتى الآن المقاربات المتخذة لتحقيقه فاشلة.

#الله_المستعان

 

الشيخ ولد حرمة