مجرد ترفٍ فكريٍ مع حظر التجول / محمد لمام عبد الله | 28 نوفمبر

مجرد ترفٍ فكريٍ مع حظر التجول / محمد لمام عبد الله

أربعاء, 15/04/2020 - 20:55
محمد لمام ولد سيد محمد ولد محمد عبد الله

في ظل الشائعات التي تقول بقرب استدعاء الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز من طرف لجنة التحقيق البرلمانية، فإنه يبدو أن الأيام القليلة القادمة ستكون حُبلى بالمفاجآت، فربما يُسدل السِّتار قريبا على آخر مشهد من مسرحية المرجعية، والنهج، ومواصلة المسار.
لقد كنت من أشدِّ المدافعين عن الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، وعبَّرت عن مدى ثقتي في تمكُّنِه من إدارة مقاليد الحكم بشكل مُحْكَم، وهادئ، وصارم في نفس الوقت.
 مع ذلك كنت أجادل البعض طيلة التسعين يوما الأولى من حكمه بأن ذلك لن يتم إلا بعد أن يقوم غزواني بانقلاب أبيض على نفسه، بعدها سيظهر في حفل تنصيب حقيقي، وليس حفلا رسميا شكليا كالذي حدث في قصر "المرابطون" أثناء تبادل مهام الرئاسة بشكل سلمي، في مُنتَبَذٍ قَصِيٍ تَعَوَّدَ لَفْظَ الرئيس السابق بطريقة مختلفة.
بعد حفل عيد الإستقلال في أكجوجت، وما سبقه وصاحبه من تجاذبات وشائعات وتداعيات، بدأت بعض خيوط المسلسل الديموقراطي الموريتاني تتضح للجميع وبات واضحا أن الرئيس الجديد لن يعيش في "جِلْباب" سلفه، وأن الأمل في صدور النسخة الموريتانية من قبيل الْمَهاتِيرِيَّة، والأَرْدُوغانِيَّة، والبُولْكاغامِيَّة.. ربما سيكون قريبا، وستكون مَوْسُومَةً بالغزوانية، وما ذلك على الله بعزيز.
إن المُتَتَبِّع للشأن الوطني يلاحظ أن العقلية الموريتانية لا زالت تُؤْمِنُ بالقائد الفَرْد، الذي تَسْتَتِبُّ له شؤون الحُكم، بشرط أن ينال ثقة المؤسسة العسكرية بالدرجة الأولى، لتنهال عليه مُلتمسات التأييد والمساندة من كل حدب وصوب، وعلى لسان كل بَرٍ وفاجر، إلا من رحم ربك، ليمنح ذلك حُكمه حَصانة "مناعة القطيع" وتتم مكافأة مواطني "الامبراطورية الرومانية" بوعود معسولة لاتسمن ولا تغني من جوع.
تهيأت للرئيس الغزواني فرص عديدة للانقضاض على كرسي الحكم، لكنه فضّل العبور إلى السلطة بشكل قانوني، ولم يَعْزِم عليها، وإنما ساقته الأقدار مُرغما على حد تعبيره،  أوهكذا حدث بالفعل حسب دستور "إِنَّما نَحْكُمُ بالظواهر".
ويبدو أنه حتى الآن مُخْلِصٌ في توجهه ليكون رائد نهضة موريتانيا، لا أقول الجديدة أوالحديثة، وإنما موريتانيا الشنقيطية العتيقة، ليعود لها أَلَقُها كقطب ثقافي، واقتصادي غني بموروثه، وموارده، ومقدراته المتنوعة، والعظيمة.
وحسب ما يتضح فإنه يُصِرُّ على تَحَمُّله المسؤولية، ويَتَّكىءُ على شرعية صناديق الاقتراع ويده اليمنى في ذلك الجيش والأمن الوطنيان من جهة، بالإضافة إلى مستشارين وطنيين محنكين من جهة أخرى حصلت لديهم (الجهتين) القناعة التامة بضرورة النهوض بالأمة الموريتانية من سُباتها العميق، والالتحاق مجددا بركب الحضارة بعد كَبْوَة الجواد أو "استراحة الْمُحارِب" إن فُهِم التعبير الأخير.
وهو حتى الساعة يولي ظهره بشكل لا لبس فيه لعهود النفاق والفساد والتملق والزبونية وأخواتها وضمائرها الغائبة والمستترة.
إن الاختبار الأول الذي واجه الحكومة الحالية هو تنظيف مدينة نواكشوط قبل موسم الأمطار، بعد تراكم أكوام القمامة، فأُسْنِدت المهمة إلى قوات جيشنا وأمننا الباسلة، بغلاف مالي كان أولى البرقيات لكسب الورقة الرابحة (العسكر) نحو تعزيز استقرار الدولة الوليدة التي أَسَّسَ الرئيس الجديد أركانها على أجواء من التصالح مع كافة الطيف السياسي والوطني، من غير عهد سابق لها بذلك، عدا من عرف منهم بالعناد والصلف.
وكان الاختبار الثاني هو جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، التي يبدو أن موريتانيا قد واكبتها في الوقت المناسب  وليس من قبيل الصدفة أنه بعد أن كان في المقدمة أصحاب البذلات البيضاء والكمّامات الزرقاء فإنه كان في الميمنة في أول تدخل ملموس لمواجهة آثار الجائحة أصحاب البذلات المُرَقَّطَة والأحذية الْخَشِنَة من جنودنا البواسل في مهمة توزيع المواد التموينية العاجلة، ونقل وتوزيع الأعلاف لولاياتنا الداخلية، هذ طبعا مع الإشراف على تطبيق حظر التجوال.
أما على سبيل الاستقراء فإن الاختبار الثالث الحاسم ربما سيكون المحطة الأخيرة التي سيؤول إليها مصير رفيق الدرب والمناوئ الأبرز، وربما الوحيد في طريق مسيرة الرئيس الجديد، وصاحب قضية المرجعية الشهيرة.
فبعد أكثر من مائتين وخمسين يوما من عُهْدَة الرئيس الجديد، هناك ثلاث سيناريوهات محتملة فقط تلوح في الأفق القريب، مع شائعات استدعاء الرئيس السابق من طرف لجنة التحقيق البرلمانية للمثول أمامها في قضية فساد بعض الصفقات:
السيناريو الثالث: وهو مستبعد إلى حد كبير بسبب العلاقة الوطيدة بين الرئيس وسلفه، وبسبب تفادي غزواني المواجهة المباشرة مع صديقه حتى الآن على الأقل، أوبسبب أن الأمور لم تتطور بعد إلى حدٍ يمس سكينة الوطن.
 ويتمثل في سجن الرئيس السابق عزيز على خلفية ملفات الفساد أو على خلفية أخرى لانعرف كنهها حتى الآن.
السيناريو الثاني: أن يتم وضعه تحت الإقامة الجبرية، وذلك طيلة العشرية المقبلة، وهو ما يتوافق مع مُكابرة الرجل، وشجاعته، واستماتته في الدفاع عن منهجيته ومرجعيته حتى مؤتمره الصحفي الأخير، وعِناده وعدم قبوله أنصاف الحلول.
السيناريو الأول: وهو الأكثر احتمالية؛ أنه بعد أن يحس الرئيس "العزيز السابق" ببعض المضايقات والإرهاصات يولي وجهه دولة خارجية، ليكون ذلك بمثابة إعدام لطموحه السياسي المستمر، ليحل محله اللجوء السياسي الْمُقَيِّد.
وعلى اعتبار أنه لم يحدث أن غادر السلطة في موريتانيا رئيس سابق إلى منزله بشكل طبيعي، وإلى ممارسة الحياة العادية كمواطن عمل في وظيفة رئيس دولة ينال بموجبها إفادة بناء على طلبه تخوله منصبا في مؤسسة أممية مرموقة بعد مغادرة سدة الحكم.
 وإنما تجسدت السيناريوهات الثلاثة السابقة في ثلاثة رؤساء كانت أمور الحكم استتبت لهم بشكل منقطع النظير.

حفظ الله موريتانيا

محمد الامام ولد محمد عبد الله