كتب الصحفي والقيادي السابق بحركة ايرا الاستاذ عبيد اميجن تحت عنوان السياق العام لمحرقة الكتب :
في منتصف شهر ابريل 2012، بثت إذاعـة القرآن الكريم التابعة للجمهورية الاسلامية الموريتانية محاضــرة مطولة للداعية السعودي الشيخ صالح المغامسي وكان عنوانها "طاعة ولي الأمر"،جاء فيها ما يلي : "ينبغي أن يساعد الأثرياء عندنا في شراء العبيد من موريتانيا لكي يتمكنوا من أداء كفارات اليمين والصوم وغيرها..."، وفـي ذلك اليوم أشاع موقع "إنيتي.نت" مضمون المحاضـرة واستهجن الجميــع اصرار الإذاعــة على اعادة بث هذه المحاضـرة المسيئة لجمهور لحراطين خصوصا وللموريتانيين عموما، وفي نفس السياق كتب لـي رئيس حركة انبعاث الحركـة الانعتاقية عبر الإيميل أن أصدر بيانا يدعو للوقوف في وجه هذه الإذاعـة التي كان يشبهها بإذاعـة "ميل كولين" الرواندية سيئة الصيت، وقد صـدر ذلك البيــان معقوبا بوقفة حاشــدة أمام بوابـة اذاعـة موريتانيا وكانت مخصصة لاستنكار سماحها ببث مثل هذه الإساءات القاتلة.
بالنسبة لإذاعــة القرآن الكريــم، فقد كانت فضاء مفتوحا للفقهاء يتحدثون فيها بدون رقيب ولا حسيب، ويتلقون اجورا كبيــرة مقابل ذلك، كما تعرض المحاضرات لكافـة المذاهب الاسلامية ولبعض العلماء الموصوفين بالراديكالية و أحيانا الإرهاب، لقد كان هؤلاء ينظرون الينا من برج عـاجي فنحــن في نظـرهـم مجموعة من العقوقيين الضالين والتي تتكسب من أموال الغرب من أجل مناهضــة الإســلام، ولكــن بسبب الحملة المستمرة التي خاضتها حركــة ايرا، رجالا ونساء، شبابا وشيبا، وكذلك القوى الحيـة الأخرى الرافضة لمضامين هذه الإذاعـة فقد كان المشايــخُ المشرفين عليها موضـع مراجعـة فيما بعدُ من قبل السلطات حيث منعت عليهم تناول الموضوع واوقفت البرامــج التي تشرحُ "مُختصر خليل" والكتب المرتبطـة به، فهل كان ذلك عن وعي من الدولــة أم رغبة في تنويــم الحراك؟ (سمعتُ ان هذا الحظر لم يعد قائما الآن!)
فــي نفس اليوم، نشرت مدونتي الشخصية (Je Refuse) مقالاً عنونته بــ : "المغامسي كان تلميــذا لمحمد الأمين الشنقيطي"، وهــو نص حاولنا من خلالــه ربــط المجتمعي الشنقيطي وسلوكيايته وانماط تفكيره بتصريحات الداعيــة السعودي والذي كان تلميذا لهذا العالم الجكني (في تلك الفترة لم أكن قد قرأت بالفعل كتابه الشهير "ﺃﺿﻮﺍﺀ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ﰲ ﺇﻳﻀﺎﺡ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁن"..) فسارع للرد علينا الكاتب الحسن ولد احريمو وهو مقيـم بالإمارات بمقال هـذا عنوانه "عبيد ولد اميجن كاذب أم كاتب؟"، ولكنه اضطر الى سحب هذا المقال بعد ذلك بأيام قلائل بسبب السجال الذي دار بيننا على الفيسبوك وعمل على الاتصال بي تطييبا للخواطـر.
وفي مواصلـة، للتصعيــد ضد الداعية السعودي اقترح علينا الحاج ابراهيــم (كان حينها طالبا في المغرب)، أن نعمــل على الاحتجاج الالكتروني ضـد الداعية السعودي نفسـه، وذلك عبر إغراق بريــده الالكتروني بآلاف الرسائل فأحَلْت المقترح -الصادر من شخص أو اشخاص لا ينتمون تنظيميا للحركـة- الى رئيسها الذي اوصاني بالمضي قدما في ذلك المسعى طالبا منا تغليظ لغـة الرسالة وأن نواصل الضغط على البعثـة الديبلوماسية السعوديــة في انواكشـوط، وفي اليوم الموالي شكل تحركنا مادة دسمة للصحافـة العربيـة والوطنية، كما تناولته بعض المواقع الموالية للسعودية، مما أجبر الحكومة الموريتانية على اختيار مقاربة خارج السياق الأمنـي فأرسلت الى السفير السعودي تستفسـره وتطالبه بايضاحات من شأنها احتواء الاحتقــان المتزايـد والذي يُؤطــره مكتب الحركة التنفيـذي ومنسقيتها الجهوية على مستوى انواكشوط، وفي هذا الصدد اتذكــر هذا العنوان الذي نشرته احدى الصحف السعوديــة :
"الحكومة الموريتانية تخاطب سفارة المملكة وتطلب ايضاح
الشيخ المغامسي يدعوا لشراء العبيد من موريتانيا وتصريحاته تثير حفيظة الموريتانيين".
ضمن هذا التصعيــد، طلب منــي رئيس الحركــة الذي كان موجودا في الخارج أن اهيأ لجوانب معينة من عودتـه فقــد ابدى لـي رغبته في عقــد مؤتمر صحفي بعيــد صلاة الجمعة على ان يكون في أحد المساجــد التي يَؤُمُها حراطينا، وعندما باشــرت انجاز هذه المهمة كان يصطحبني صديقه ورفيقه أحمد ولد حمدي (لديــه سيارة)، فبدأنا بأحـد مساجد عين الطلح (تيارت)، ثم الحـي 16 (دار النعيم) فعرفات هاتفيا وانتهاء بالكلمتر 10 من الرياض، لكن الأئمة حتى مساء الأربعاء الموافق لـ25 ابريل 2012 اكدوا رفضهم التجاوب معنا معللين موقفهم بان المساجــد لا يمكن استغلالها من قبل السياسيين! (لقد فشلت مهمتنا هذه اذا).
وفي اعتقادي أن قيـادة الحركــة، ممثلة بالاستاذ ابراهيم بلال رمظان وبقيــة اعضاء المكتب ومنسقية انواكشــوط كانو يهتمون بتحضير استقبال الرئيس بيرام الذي تتزامن عـودته مع صلاة الجمعـة عبر دكار (جمهورية السنغال) حيث اهتم هؤلاء بتأمين حضور الجمهور والسيارات لترافقه من مطار انواكشوط القديـم وحتى منزله بالكلمتر 9 (الرياض)؛ وربما أوكلت الى نفسها مهام أخرى لست على اطلاع بها.
في صباح اليوم الموالي اي الخميس السادس والعشريـن من ابريل 2012 ايقظني كلاً مــن أحمد ولد حمدي وزميله حمادي لحبوس (وكانا حتى ذلك الوقت يلعبان ادورا غير علنية في الحركــة) وأبلغاني رغبـة رئيسها في انجاز مهمة محـددة تتعلـق بالعميد الشيبانـي بلال (نقابي، وعضو باللجنة الوطنية لحقوق الانسان) ؛ فكلمت بيرام هاتفيا حيث كلفني بالذهاب الى هذا النقابي في عرفات لأننا يجب ان نعرف مضامين "كتب النخاسـة" التي بموجبها يجري استرقاق واغتصاب مجتمعنا وممارسة الدونية على لحراطين، وكان فعلا الشخص المعني خبيــرا بهذه الكتب وملما بفحواها وعارفا مضامينها المارقة على الدين الاسلامي العادل، حسب قولـه.
استلمت من الأخيـر صفحة A4 احد اوجهها مملوء باسماء الكتب والمجلدات، كما أشـاد هذا الكهل الوقور كثيرا بمدونـة يحي ولد البراء التي تتضمن النوازل الفقهية المتعلقة بالإستعباد وقال بأننا نتجه الى الطريق الصحيح لأننا سندرس هذه المصنفات وسنعري الزيف المنسوب الى الدين واننا سنؤجر على فعلتنا هـذه (كان يصرُ دائما على انكار معرفته بنوايانا فـي حرق الكتب، فهل كان يعلم حقا بتلك النوايا أنا لا أستطيع أن أجزم بشيء؟).
في الزوال التحق بي أنا وأحمد حمدي شخص ثالث هو الإمام والناشط الاجتماعي العيـد ولد لمليحْ، فقـد قادته قدماه بالصدفـه ليصير إماما لـ"محرقـة كتب النخاسـة" ففي تلك الفتــرة كان من بين نشطاء الحركة إمامان فقـط هو ثم الشاب ابراهيم جدو.
فـي أثناء مناقشتنا لمحتويات الصفحــة المليئة بالكتب اتفقنا على حاجتنا لكتبٍ كمختصر الشيخ خليل وابن عاشر وشروحهما كالأخضـري وحاشية الدسوقي، وكانت سيارتنا في تلك اللحظات تقف وسط ساحــة "ابلوكات" حيث طلب مني بيرام الإنزواء بعيــدا عن آذان رفاقنا لأنه سيحدثني بموضوع سري للغايــة، وهنالك أبْلغني نواياه القاضيـة بحرق الكتب أعلاه؛ فكان قولـي بأنه يجب أن نستشير رفاقنا حتى يتحمل الجميع المسؤولية باعتبار الموضوع سيشكل تحديا غير مسبوق وعلى كافـة الصعد!.
لــم يسمح لي كي اعترض فقــد قال بأنها "محرقته هو، وأنه هو من يتحمل تبعاتها، و إنني اذا لـم اكن مستعدا لتحمل هذه المسؤولية بإمكانـي تسليـم المهمة لأخي يعقوب ولد السالك"؛ ولــم يكن أمامـي مزيــد من الخيارات فأنا أعرف طبيعة رفاقي وسهولة الصاقهم للتهم الجاهزة كالجاسوس والخائن والجبان، وهنا قررتُ أن أواصــل المهمة حتى النهايــة حـتى لو كانت هذه المحرقــة ستسبب ضياع الفرصـة التي كانت السفارة الآمريكية قـد كرمتني بها والتي تتضمن المشاركـة في منحة تعليمية بجامعة فلوريدا.
اشتريتُ، الكتب ووضعها زميلي في صندوق سيارته ما عدى كتاب "مختصر خليل" الذي ابقيته فــي يدي كي أُحضــر مع الإمام خطبـة الجمعـة التي سيلقيها غدا قبل حرق الكتب، وقــد كتبت تلك الخطبة في منزل أسرتي بدار النعيم، قبل ان نلتحق بالجمهور الكبيـر الذي احتشــد أمام منزل رئيس الحركـة تحضيرا للصلاة التي شرع فيها الإمام العيد لمليح، وقـد تضمنت الخطبة استنكار الامام لمضامين "مختصر خليل" والقول بأن استعباد لحراطين لايمتُ بصلةٍ الى الشرع أو الدين وبأنه تصرف همجي يرتبط بالخطف، والاغـارة والمقايضة.
فمالذي حدث بعــد المحرقة؟