على رأس كل مائة سنة يقيض الله للأمة الاسلامية من يجدد لها دينها، ويبعد عن مرموس المحجة البيضاء كل رامس؛
لقد من الله على الأمة الإسلامية ببحر العلوم الزاخر، وبدر ديجور الظلام، زينة نادي العلماء، داعية السلام، العلامة: عبد الله بن بيه حفظه الله وأطال عمر..؛
يملأ بين حوانحه علم المنقول والمعقول، وتسكنه روح السلم والسلام، تؤرقه حال أمة صار أنسب عنوان لها تحت وطأة كلكل الحروب : " أمة تنتحر" دماء تنزف، وجراح غائرة، ونساء ثكلى، وأطفال يتامى، وعمل عنف مجنون يتنامى، هجر الأحبة أشلاء أحبتهم تحت الركام، وتقطعت الأواصر؛
فانقسمنا قبائلا وشعوبا
واستبيح الحمى وضاع العرين
فلم تعد الأمة الإسلامية بعافية، يد الغدر تغتالها من الداخل، ووشاح الخوف يطل عليها من الخارج، علَت على أصوات المآذن أصواتُ القنابل، واختلط على الأبرياء الحابل بالنابل، سكن الخوف نفوس الأبرياء، وفجع الأهل في ذويهم، وتاهت عبارات المواساة، وعلت غصةالحزن حتى خنقت ذبذبات أصوات المفجوعين؛
إعلام يحش الحرب، وفتاوى لم تراع في حاضر الامة ولا قابلها الا ولا ذمة، قصر نظرها، وحان بسببها حَيْن أطفال رضّع، وشيوخ ركّع، قتل العلماء في محاريبهم، والنساء والأطفال في مخابئهم، تحول الهدوء إلى رعب، ونسيم الرياح إلى دخان القنابل، وبراءة الصغار إلى مسرح بكاء وسوح مأتم؛ أهرقت العبرات دما نجيعا حكى على الخدود لونا عَندما...؛
حال تتفتت لها الأكباد، وتتفطر لها القلوب، حال تجعل العدو يرقص جذلا، وتترك الصديق صريعا حزنا، على حال أمته...!
في هذه الأثناء ظهر صوت علَم جهبذ ملأ الدنيا بنور الحمكة ( ومن يوت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) يسعى جاهدا أن يعجل بلسم الجراح على المكلومين الذين لا تزال جراحهم الغائرة تنزف، بدأ ينشر بين الأمة بساط سلام مرصّعا بجواهر فهم الشريعة الغراء، ومزركشا بألوان الرأفة والرحمة بأمة طال ليل أحزانها ولاكتها المفاهيم العرجاء؛
وضع الله القبول للشيخ وفكره، _ وذلك ديدن كل أمر أريد به وجه الله_ فبدأ الناس يقطفون من جنان السلام الفيحاء وبساتينه الغناء ثمر الحياة، في وقت كان بعض أهل المنابر ينتشي فرحا بقطف رؤوس العلماء وسط حلق التعليم في المساجد - عمائم السوء حسب تعبيرهم- !!!
أخذت سفينة السلم تحت راية عالم السلام تجوب البلاد وترسو على مرفأ كل المدن الجريحة، ململمة جراح المسلمين، وغارسة شجرة سلم أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، تعهد صاحبها سقيها حتى صلب جذعها وأينع ثمرها...؛
ولا يزال الشيخ لله الحمد يدفع عن الأمة زلازل الفتن بالصدر والراح، ويعَض بنان الندم على كل قطرة دم مسلم تسيل على ظهر المعمورة، مد جسور الحوار والجدال بالتي هي أحسن إلى من أمر الله أن تمد إليهم، أطّر عواطف الناس بالشرع وسلك بهم مهيع الحق ونهج سيد الخلق صلى الله عليه وسلم..؛
فلا يستوي يوما من هو مسكون بتهيئة أرض سلام تهدأ فيها النفوس وتعيش حقها، لا يستوي بمن يضغض الزناد ويهلك العباد.