رسالة تهنئة مفتوحة .. بقلم محمد الكوري ولد العربي | 28 نوفمبر

 

فيديو

رسالة تهنئة مفتوحة .. بقلم محمد الكوري ولد العربي

أحد, 07/07/2019 - 21:16
محمد الكوري العربي

إلى السيد رئيس الجمهورية المنتخب ، محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الشيخ الغزواني.. 

انتهت الانتخابات الرئاسية ، و بدأ معها التداول السلمي على السلطة للمرة الثانية في بلدنا، بغض النظر عن الثغرات و المنغصات و حتى الخروقات و العيوب الشكلية و المعنوية في عملية التداول، و لكن العملية بحد ذاتها مكسب عظيم الدلالة في بلد لم يذق طعم تداول السلطة سلميا إلا قليلا من تاريخه السياسي.. 
و إنه لمن دواعي الغبطة أن   أتوجه إليكم بخطاب تهنئتي لكم  بمناسبة فوزكم في الانتخابات راجيا من الله العلي القدير  لكم التوفيق في تأدية مسؤوليتكم العظيمة و الخطيرة على النحو الذي يرضاه الله ، و على الوجه الذي يسعد الشعب الموريتاني المنهوك . 
و إنه كذلك لمن أسباب الراحة النفسية أن يكون رئيس الجمهورية  مؤهلا لاستيعاب معاني الخطاب و مضامين الكلام ؛ الأمر الذي لا تتيحه أية لغة  لمن يحتقرها ، و إنما تهبه لمن تعلمها و تذوق آدابها. 
سيدي الرئيس، لقد كان أبرز  عوامل دعمنا لكم - في حزب الوطن و تحملنا لحملة حزبية لصالحكم على نفقة تبرعات رفاقنا  دون السعي للمقايضة السياسية من وراء ذلك ، و حتى دون  التمكن من لقائكم، بسبب من عناصر العشرية المتنفذين في إدارة حملتكم،  بحسب ما علمنا ،   الذي حظي به مبادرات أسرية و قبلية- هو اطلاعنا على طيبة التربة الاجتماعية التي نبتم فيها و التنشئة القيمية التي حظيتم بها في طفولتكم ؛ فعلمنا من ذلك أن طيب الفرع من طيب المنبت ؛ فكان ذلك مدعاة لأن يعلق عليكم الموريتانيون، و نحن منهم،  أملا طالما بقي عالقا تتقاذفه حقب سوداء  عسكرتارية يلج بعضها في بعض كطع الليل المظلم . و الآن و قد نجحتم في منافسة قيادة البلاد بإرادة شعبية أفصحت عن نفسها بعفوية و جلاء في إقبال الشعب عليكم يوم تقدمتم بالترشح لقيادة سفينة البلاد الجانحة على رصيف الحياة و التطور منذ عقود ، فإني، كمواطن موريتاني، من حقي و من واجبي إزاءكم أن أذكركم ، و قد أحسنا بكم الظن  برغم ماضيكم العسكري، بأنكم اليوم رئيس للجمهورية الإسلامية الموريتانية بكل مكوناتها القومية و الاجتماعية و المهنية و الحزبية ، و أنكم في موقع شوكة الميزان بين كافة الآراء و الرؤى الوطنية فيها، و لستم رئيس جماعة سلطة و لا قائدا لعصابة تجار و تربح باستغلال النفوذ ، و لا أميرا في قبيلة أو جهة و لا آمرا في كتيبة عسكرية ... و لكن أيضا ليس مطلوبا منكم تطهير النفوس و لا تنظيف القلوب بالوعظ ، و لكن من واجبكم، كرجل دولة ، تصحيح الممارسات الخاطئة و تقويم السياسات المنحرفة خلال الفترات السابقة و بناء الدولة الوطنية و النبش في مجتمعنا عن رجالاتها، دون تحيز و لا تمييز  ..
سيدي الرئيس، اسمحوا لي أن أحيط جنابكم الموقر، و أنتم صاحب اطلاع و دراية بحركة التاريخ ، أن إدارة الدولة  تختلف عن إدارة مرآب  الآلات الميكانيكية عموما؛ أقول أحيطكم علما  أيضا أن بلدنا يفتقر لأشياء كثيرة في فلسة نظام الحكم السياسي ، ليس هنا مناسبة بسطها بالتفصيل، و لكن من أخطرها و أدومها هو غياب تحديد الاتجاه و رسم هدف واضح لنظام الحكم ؛ بحيث بات استنساخ الرداءة هدفا في ذاته .إننا إذا تتبعنا مسار الأنظمة التي حكمتنا، منذ 1978، فإننا لا نعثر على أي معنى للتاريخ في خط سير أي منها ، و لا نجد أيا منها اعتمد منطقا داخليا يوجه سياسته الداخلية و الخارجية و يضبط خطواته و سلوكه في ممارسة السلطة ؛ بل إن ما يجمع بين هذه الأنظمة المتناسخة بأسلوب عنيف هو غياب معالم الطريق التي يسير عليها كل  منها ؛ حيث تنتهي كل سلطة ، مهما عمرت، إلى بلبلة و ركام من المواقف المتخبطة ، و التدابير الارتجالية و أكداس من السلوك الانفعالي الارتدادي و اتباع الأهواء ؛ و ذلك ما لا يخفى عليكم خطورته الثاوية في الأفعال المستخفة بالأخلاق إلى الحد الذي دفع كثيرين من أبناء هذا الشعب المخلصين و من ذوي الكفاءات و الخبرة إلى اليأس من إنسان هذه الأرض ، و إلى اعتكافهم في البيوت حتى يتوفاهم الله أو يجعل لهم سبيلا.  فهل تكونون ذلك السبيل ?.
سيدي الرئيس، إنني أرى أن عودة الأخلاق إلى أهل هذه الأرض و البحث عن نصيب من العقلانية في تصرفات سكانها من أعظم ما يتوجب عليكم و من أبقى ما ينفع الناس . إن أسلافكم  ، من حكام هذه البلاد العسكريين، قد فرطوا في الأخلاق و عبثوا بالقيم و الأعراف الفاضلة التي تواضع عليها هذا الشعب بعربه و زنوجه و فلانه لقرون خلت؛ فكانت حصيلة كل نظام أسوأ من الذي قبله حتى وصلنا إلى ما نعيشه اليوم من مشاهدة  فضائيات موريتانية تروج للقبلية و الفئوية و العنصرية ؛ و حيث نساق قطيعا من الرعاع و الأغبياء ، نخبا و عوام سواء بسواء، لنتبادل مكايد الرذيلة و الاتضاع  ضد بعضنا بعضا ، خاصة في العشرية الأخيرة.. 
سيدي الرئيس، إن مجيئكم جعل شعبنا يتنفس الصعداء ، و هو يحسب نفسه قد فلت بأعحوبة و عناية إلهية من قبضة الرداءة بشق الأنفس ، و إن كان الخطر ما زال جاثما، و ما زالت قلوب الموريتانيين تراوح  بين خفقان الوجيف و اضطراب الرجيف ، بين ألم لم ينته بعد و أمل لم يتأكد !
إن الشعب الموريتاني  و نخبه الوطنية المطمورة و المغمورة بأكوام الرداءة الطافية على كل السطوح ، و ليس  مجاميع النفاق الاجتماعي و التملق السياسي  العابرين للأنظمة، هو مستودع الطاقة الهائلة ، التي إن وفقتم في تحريرها من الجوع و الخوف و الجهل و المرض، فستفلحون بمشيئة الله و توفيقه و عونه إلى اكتساب ثقته جميعا ، بمن فيهم أولئك الذين عارضوا ترشحكم أو اضطروا لذلك لعدم تمكنهم من إلتقاط الإشارات المبثوثة في ثنايا و ما وراء السطور من خطاباتكم بأنكم لستم تواصلا لنهج طالما أوجعهم بأفعاله  و أرعبهم بسلوكه. غير أن إصرار رموز النظام المنصرف على الربط و الخلط بينهم و بينكم أظلم على الجميع منصة المشهد و أعتم بصيص الأفق المرموق من بعيد  ؛ فأظهروكم ، في أسلوب مكايد محبوك، كالمحامي ، ناقص الخبرة، الملتزم بالمرافعة عن طرف واحد ، هو نظامهم و عشريتهم  و " نهجهم "... إلى الحد الذي أعمى كثيرين ممن كانوا أملوا خيرا فيكم و استجابوا لحدسهم الأولي في جديتكم و قدرتكم على تحمل لواء التغيير و استيعاب الظرف و تجاوز النظام المنصرف ، الذي قضم البلاد و العباد ، قضم التفاحة، بنهم باثالوجي مرعب و مهين؛ مما جعل عشريته، في أعين الموريتانيين، خميرة شؤم  و طوق إهانة له بالتجويع و الترويع و دفعه للافتتان الفئوي و العنصري ، سبيلا لرميه في أتون الفوضى  في ظرفية دولية شهدت تمزق دول عربية نتفا و رمت بها في مهب ريح عاصف !
سيدي الرئيس، إن الشعب الموريتاني لم يبن ثقته على ما  ستطرتم في برنامجكم الانتخابي ، على تقديرنا العالي لمجمله، و لكنه بناها مع أمله فيكم على أساس ما تربيتم عليه من ثقافة السلمية الأصيلة في مجتمعكم ، و على أساس ما تحليتم به من خلق كريم و حكمة بالغة و رزانة و رجاحة عقل في وجه الإرجاف شديد الأذى لشخصكم خلال فترة الحملة الانتخابية ؛ الأمر الذي يقيم الدليل على استعصائكم على الخفة و الاستدراج ، فضلا عما زاده في رصيد ثباتكم الشخصي و في القيمة الوطنية لمواقفكم المترفعة عن الهبوط للدعاية المسفة، باتجاه تعزيز الأمل ، أيضا، في قدرتكم على ترجمة تلك الحكمة الشخصية و تحويل تلك التربية الاجتماعية إلى سياسات و برامج و أفعال وطنية تعيد العدل و الإنصاف للمظلومين و المغبونين الذين قصت الظروف التاريخية القاهرة ألسنتهم ، فسكتوا على الأذى و صبروا على ما أوذوا، كما سكتم و صبرتم مراعاة للظروف غير المناسبة؛ ذلك ما سيوجب احترامكم ممن عارضوكم قبل من دعموكم ؛ حيث يأمل الموريتانيون أن تصل البلاد في ظلكم إلى إرساء رؤية وطنية تشاركية لنظام الحكم و ممارسة السلطة على مبدأ سيادة القانون على الجميع ، و على مبدأ النظر للمعارضة الديموقراطية كطرف أساس و أصلي لا غنى عنه  في النظام السياسي ، بمعناه الشامل، بدلا من النظر إليها كعدو و طرف أجنبي على الدولة و مؤسساتها  ؛ بما يصب في نهاية الأمر في مصلحة السلطة الحاكمة من جهة،  و المعارضة الوطنية  الديموقراطية النزيهة، و يقطع دابر دعاة الردة إلى الغواية و العماية و العياية و الغطرسة، من جهة أخرى ...
سيدي الرئيس، إن بعض الخطوات ، ذات الأهمية القصوى، قد تمر،  دون إثارة انتباه أحد في لحظتها، و لكن بعضها الآخر يكتسي أهميته بقدر ألمه على منوال ألم إصلاح المجتمع الذي لا مفر منه  ، كما يقولون. و إن من تلك الخطوات ، ذات الأهمية المتناهية تاريخيا و حضاريا و قيميا و معرفيا، و التي لن تزعجكم بها نخبة فرنسا صاحبة الصوت العالي في قطرنا و الشعوبيون المتحالفون معها ، رغم وجاهتها و وضوح و نبل مقصدها، مع ما تنطوي عليه من تعقيد تاريخي منهجي متعمد ، هو الدفع باللغة العربية إلى تبوء مكانتها  الدستورية فعلا و ليس شكلا في التداول الرسمي الإداري و في الترقية الوظيفية و  السياسية ؛ فقد استهلكنا ستين سنة من عمر دولتنا الوطنية و نحن سائرون على طريق المستعمر الفرنسي في تغييب، غير مبرر، للغتنا و هويتنا العربية ، دون طائل. فلا نحن حصلنا على رضا أعداء اللغة العربية المحليين و لا نحن قطعنا التشكيك في هويتنا بيقين الانتماء لها في حياتنا العملية !
سدي الرئيس، إن المخلصين ، و هم أكثر من المتملقين، من هذا الشعب لن يتخلفوا عنكم ، في ما أرى، طالما أبديتم خط سير وطني يعتمد الوضوح و المعقولية و الأخلاق؛ و في ذلك إشارة تطمين كافية للمترددين خوفا من العشرية،  بأنكم في قطيعة مع عهود من الغموض و الارتجال و الانفعالات ؛ بما سيعيد للعمل السياسي في بلادنا بعده الأخلاقي المنخلع عنه منذ عقود، و يضع مراسي للنظام السياسي الديموقراطي المرتكز على دعامتي الأغلبية الحاكمة الناصحة و المعارضة الوطنية الديموقراطية النزيهة، آملين بهذه المناسبة أن يرتقي إخوتنا في المعارضة ، بقبول نتائج الانتخابات و الاعتراف بالرئيس، عن تكرار أسلوب التسعينيات من القرن الماضي ،  و أن يساعدوا الرئيس  المنتخب، الذي شهدوا له بالطيبة و الوطنية،  في التحرر من لوبيات الضغط التي لن تدخر جهدا في عزله و لف الحبل حول عنقه ، حتى لا  يغادر بلدنا مرحلة التجاذب و الاحتقان السلبيين، بهدف إبقاء المناخ السياسي مناسبا لسلوكهم .. 
أخيرا، سيدي الرئيس.
إن التردد و ضعف الإرادة و الطيبة المفرطة  هو ما يعول عليه خصومكم ، في مولاة النظام المنصرف و في العناصر المتشددين من المعارضة ، بعدما نشروا عنكم، بكثافة، هذه الصورة النمطية شديدة السلبية ؛ و هي صورة ما تزال حاضرة بقوة في أذهان الموريتانيين عن الرئيس السابق الطيب ، سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله. فعليكم باستخلاص العبر من ذلك و الاستفادة من دروس الخبرة ... و لا تنسوا أنه لا أمان من سم الأفعى إلا بقطع رأسها عن جسدها، و دفنهما منفصلين !!
 و تبقى موريتانيا و شعبها فوق كل اعتبار.. 
و فقكم الله..