بعد أن أعلن المجلس الدستوري النتائج النهائية للانتخابات أتقدم بتهنئة للمرشح الفائز محمد ولد الغزواني، ولزملائي وأصدقائي من داعميه، وهو فوز يشوش عليه ما صاحبه من احتقان، ومن تشكيك في نتائج انتخابات كان عديدون يطمحون لأن تكون انتقالا بالبلاد من مربعات كثيرة، ومنها مربع التشكيك في نتائج الانتخابات.
وسأتبع هذه التهنئة بالقول إنه بات من الواضح – الآن – أن الانتخابات الرئاسية 2019 أفرزت طبقة سياسية جديدة يحتاج المرشح الفائز محمد ولد الغزواني غزواني للتعاطي معها بطريقة مختلفة عن تعاطي الأنظمة السابقة.
فعلى المستوى السياسي، تمخضت هذه الانتخابات عن تصدر ثلاث قوى للمشهد السياسي، ممثلة في المرشح الرئاسي بيرام الداه اعبيدي، والذي حل ثانيا في الانتخابات الرئاسية للمرة الثانية في استحقاقين رئاسيين متتاليين 2014 – 2019، وقد تكون هذه المرة الأولى التي يحصل فيها مرشح للرئاسة على هذه الرتبة، وهو محروم من حقه في العمل الحزبي المرخص (من خلال رفض ترخيص حزب الرگ الذي تقدم بطلب ترخيص له منذ سنوات، وترفض الداخلية ذلك).
القوى الثانية في المشهد، هي في حقيقتها قوة جديدة قديمة؛ جديدة في شخص المرشح سيدي محمد ولد بوبكر آخر الداخليين للمشهد السياسي بشكل عام، والمعارض منه بشكل خاص، وقديمة نسبيا ممثلة في أبرز قوة سياسية داعمة للمرشح ولد بوبكر، وأقصد هنا حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية #تواصل الذي تصدر - هو الآخر - عامة المعارضة في استحقاقين متواليين 2013 – 2018، كما أنه هو أكثر الأحزاب استهدافا من طرف السلطات خلال السنوات الأخيرة، ومضايقة من السلطات الإدارية.
القوة الثالثة التي تصدرت مشهد ما بعد 22 يونيو 2019، هي تحالف "CVE" #لنعش_معا، والذي يقوده المرشح الرئاسي كان حاميدو بابا، وهو تحالف تصدر مرشحه في مقاطعات كيهيدي عاصمة ولايات كوركل، إضافة لمقاطعات بوكى، وبابابي، وامبان، وحل ثانيا في ولاية البراكنه.
هذه المثلث الجديد، والمشهد السياسي غير التقليدي، يحتاج تجربة مختلفة في التعاطي، والاستيعاب، والتعامل، تنطلق من الشراكة في الوطن، واحترام الآخر، وتجنب تكرار التصعيد ضد القوى المكونة في استقطاب يتضرر منها الجميع، وقد أثبتت التجارب ذلك، فلم يحد الاستهداف من تنامي هذه القوى، ولا أوقف امتدادها في الشارع، وإنما أوجد تأزيما، وتشنجا كان الوطن والشعب أكثر المتضررين منه.
إن حلولا سريعة، مثل الترخيص لحزب الرك، والتشاور الواسع مع كل هذه الأطراف، ووقف – وتجنب - الاستهداف الأمني ذي الطابع العرقي مع تحالف CVE "لنعش معا"، ووقف التضيق على الإسلاميين، وإعادة فتح مركز تكوين العلماء، وغيره من الجمعيات التي تم إغلاقها، فضلا عن اعتماد أسلوب انفتاح وحوار لا يستثني أحدا، كل هذه الخطوات تعد من الضرورة بمكان، ويحتاج اتخاذها جرأة، وحكمة، وحنكة، تغلب المصلحة العامة للبلد، وتجنب البلد المزيد من التوتير، وتضع لبنة قوية في طريق حل أزماته المستعصية، وأكثر عمقا انفصام عرى الثقة بين مكوناته؛ سياسية، وعرقية، بل وحتى فئوية.
ولا شك أن المشهد السياسي في البلاد اليوم لا يحتاج شيئا، كما يحتاج هدوءا يتيح لكل الأطراف التقاط أنفاسها، وإلقاء نظرة عامة بدل الضياع في الصور الجزئية، أو المجتزأة، ومطاردة التفاصيل اليومية، وهو هدوء ينتظره الجميع مع بداية عهد الرجل الفائز في الانتخابات.
ولعل من أهم الدروس التي يحتاج المرشح الفائز #غزواني أن يتوقف معها، وأن يستوعبها:
1. أنه لم يحقق معجزة في العاصمة #نواكشوط – كما قيل – فالعدد الذي حصل عليه من المصوتين هو العدد الذي حصل عليه مرشح السلطة خلال الاستحقاقين الرئاسيين الأخيرين، في 2009 (كان عدد المصوتين 84470)، وفي 2014 (كان عدد المصوتين 86183)، وجاء عدد المصوتين في 2019 بين الرقمين (85286).
2. وجود "مرشح السلطة" في الرتبة الثالثة في مقاطعة السبخة بولاية #نواكشوط الغربية، وفي مقاطعتي الميناء والرياض بولاية نواكشوط الجنوبية، وخسارته للرتبة الأولى في ولاية داخلت #نواذيبو عاصمة الاقتصاد، وخسارته للتصدر في مقاطعة مقامة بولاية كوركل، كلها رسائل تستحق التوقف، وتصرخ للمطالبة بالإشراك بعد المعاقبة.
3. إن كُنتُم فزتم بغالبية أصوات الناخبين، وبصعوبة تعطي طابعا ديمقراطيا لفوزكم، فإن واجبكم هو إكمال مسار التفاؤل الديمقراطي بخطوات ديمقراطية تثبت احترامكم للمنافسين ولمن صوتوا لهم من الناخبين، وتتجاوز أجواء التنافس إلى أجواء العمل الوطني الجامع الذي لا يميز بين المواطنين على أساس انتمائهم السياسي، أو أعراقهم أو لغاتهم.