تبدو لي بعض النقاشات حول مقابلة المدني والعسكري في الرئاسيات التي بدأت حملتها بالفعل في غير محلها وأزعم أنها غير دقيقة ولعلها غير مفيدة أما كونها غير دقيقة فلأمرين :
١- منذ انقلاب العاشر من يوليو إلى الآن ظلت وسائل العسكريين المتعاقبين على السلطة هي الشخصيات المدنية تبرر لهم وتنفذ أمرهم وترسخ انغماسهم في السياسة وتاريخ الحركات والتيارات السياسية مع حكم الجيش تزيينا وتشجيعا وتحالفا واستفادة معروف مشهور ولا تسلم حركة أو تيار من تهمة تدبير انقلاب أو إسناده وأول ذلك كان مع أول انقلاب يوليو ١٩٧٨.
٢- لا تبدو لي حدود التشبث بالديمقراطية من عدمه منطبقة على ثنائية مدني - عسكري فلا كل مدني عميق الإيمان بالديمقراطية ولا كل عسكري أو صاحب سابقة عسكرية مؤكد الكفر بها.
أما كونها غير مفيدة فالناظر لحال عدد من البلدان سيلحظ دون عناء أن هذه الحدية في المقابلة بين مدني وعسكري أوجدت أجواء صراع ومنطق عصبيات وتناصر هد بلدانا ويهدد أخرى وكل خطاب يعمم - متهما- على العسكر كل العسكر أويعمم - مزكيا - على المدنيين كل المدنيين يتسبب - حتى لو سلمت النوايا الديمقراطية لأصحابه - في توتير الأجواء وتوسيع الشقة بين مكونات ومؤسسات تناقضها يضر وتكاملها ينفع.
لا يعني ماذكرت أنني لا أحس بالتداخل الذي وقع بين السياسة والجيش في بلادي وهو تداخل أضر بالسياسة وهي مجال تنافس وخلاف وتعددية وأضر بالجيش الذي يفترض فيه أن يكون عنوانا جامعا يحترم مهمته الدستورية بعيدا عن الصراعات السياسية والانتخابية.
إن تصحيح العلاقة بين الجيش والسياسة أولوية ملحة مع ضرورة التوازن والمسؤولية في ذلك ولعله من المهم أن يدرك الجميع أنه لم يعد مقبولا أن نعلن أن الجيش لا علاقة له بالسياسة وانتخاباتها ولا السلطة ورهاناتها في الوقت الذي يلحظ قادته في ساحات الحملات والمبادرات ويكون لهم أثر بالغ في المؤسسات والحكومات
أدرك أن تداخلا يعود إلى أكثر من ثلاثين عاما يحتاج حكمة ووقتا لعلاجه وأدرك أن للقوات المسلحة رأيا ودورا في قضايا استراتيجية مهمة ولكنني أدرك أيضا أن الكف عما يعزز هذا التداخل ويوجه الجيش إلى مهمته الوطنية النبيلة أصبح ملحا وضروريا .
فعلا علينا أن نبعد المؤسسة العسكرية عن خلافاتنا السياسية ومناكفاتنا الإعلامية ولكن علينا أن نبعدها ورجالها عن حملاتنا التعبوية ومبادراتنا القبلية .