مَفْلُوشْ مَكْرُو" | 28 نوفمبر

مَفْلُوشْ مَكْرُو"

خميس, 18/04/2019 - 20:44
ابراهيم الدويري

مواكبة الأحداث الوطنية والتعليق عليها بما تستحقه من اهتمام من الأمور الصعبة بل من المستحيل على غير المتفرغين أو المواظبين الشرسين، ففي كل إطلالة لي على مستجدات التدافع السياسي المتداخلِ القواعدِ والرؤوسِ، وانعكاساته على تفاعل الجماهير واقعا وافتراضا، تخطر ببالي مقالات أو تدوينات أتمنى أن أجد فراغا كافيا لكتابتها فتحول عوائق دون ذلك.

وددت بالفعل أن أجد وقتا لكتابة مقال عن "الرجولة السلوكية في تقاليدنا التاريخية"، وهو عنوان كتاب جُمعت فيه مقالات مهمة للعالم الموسوعي أستاذ أساتذتنا الدكتور حامد ربيع من سلسلة له رحمه الله عن "الوعي السياسي والاستراتيجي والتاريخي"، وقيم الرجولة في هذه اللحظة المهمة وغيرها من تاريخنا الوطني تحتاج إحياء وإيقاظا واستنجادا، يحتاجها كشكول الموالاة ليهذب دوافع موالاته، ويقلل من الاندفاع، ويحد من التملق، وينقص من التزاحم الفوضوي والتنافس السلبي، وتحتاجها المعارضة والموالاة معا لتهذيب اللغة وتخير الألفاظ، وانتقاء الأساليب، وترسيخ قيم القناعة، ومحافظة على الذكر الحسن، وإشاعة قيم الإباء، وتكثيف أخلاق الوقار.

فالإباء قيمة إنسانية عظيمة، به تغنت الشعوب واعتزت الأمم، وافتخر النبلاء، وكان موفق الدين الإربلي يأبى من "الرعي" في "روضة سهلة الأكناف من شاء رعاها"، ولعظمة الوقار في قيم "الرجولة السلوكية" وقف المعري في مرثيته الخالدة لأبيه حائرا، كيف سيكون حال والده الوقور حين يزدحم الناس على "الحوض" فهل يحافظ على ذلك الوقار فيأبى الزحام، أو يستخفه الشوق فيبادر، أين متعاطو السياسة من قيمة الوقار هذه؟ زادكم الله وقارا وأناة.

خطابنا السياسي المتنرفز الذي لم يزده هدوء خطابات مرشحي المعارضة والنظام الرئيسيين إلا نرفزة وشراسة، يحتاج إلى خبراء لسانيات لفك عويصه؛ فاللغة عند ساستنا ليست محايدة، ولا شفافة، وليست لها ظلال كثيفة، وهي تقف عاجزة عن وصف الواقع كما هو، ومثالا على ذلك استمعت اليوم لكلمة لقائد سياسي وإيديولوجي كبير، مشتهر بالغموض، بسبب تفكيره بلهجة شعبية وكتابته بلغة أجنبية، وخطابه وجدان الجماهير بلغة نصف فصيحة حسب قدرة المترجمين، وخطاب من هذا حاله لا شك في أهميته لجمعه بين الجماهيرية والأدلجة واستحضاره الدائم للأبعاد التاريخية والاجتماعية وتحكم المخيال الشعبي في مفرداتها، فالوصف الذي استهل به الأستاذ ابريد الليل خطابه الإقناعي بالمرشح بوبكر "مفلوش مكره" وصاحبه على جلالة قدره لم يعد يكتب تنظيرا أو يدعم سياسيا "تفاديا_للعار. والعاقبة للمتقين.

------------------

من صفحة الأستاذ ابراهيم الدويري على الفيس بوك