تجاذبات عديدة تشهدها الساحة السياسية الموريتانية مع بدء العد التنازلي، لموعد الانتخابات الرئاسية، التي ستشهدها البلاد الصيف المقبل، وقد أدت هذه التجاذبات ـ مع عوامل أخرى ـ إلى إعادة تشكيل الخريطة السياسية بشكل مغاير لما كانت عليه في السنوات الأخيرة، خاصة في ظل المواقف التي اتخذتها بعض الأحزاب والشخصيات المحسوبة على المعارضة، في إطار حراك ما قبل الانتخابات الرئاسية، بالإضافة إلى منع الدستور لبعض الشخصيات السياسية المؤثرة في المشهد على مدى عدة سنوات من الترشح لمنصب الرئاسة.
ممنوعون بقوة الدستور
ولأول مرة تشهد موريتانيا انتخابات رئاسية دون أن يشارك فيها أي من زعيمي المعارضة التاريخيين أحمد ولد داداه، رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية، أو مسعود ولد بلخير، رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي، اللذين شاركا معًا أو شارك أحدهما على الأقل في جميع الانتخابات الرئاسية التي شهدتها موريتانيا، باستثناء انتخابات عام 1997 التي قاطعتها المعارضة، واليوم يحجمان عن المنافسة على كرسي الرئاسة بقوة الدستور، الذي يمنع مَن تجاوز 75 عامًا من الترشح، وقد جاوز الرجلان ذلك الحاجز.
وظل حضور الرجلين اللذين مارسا السياسة وهما شابين، مؤثرًا على مدى عقود، وكانت منافستهما على كرسي الرئاسة خلال جميع الانتخابات التي شاركا فيها، بالإضافة إلى مواقفهما من مختلف القضايا والأزمات السياسية، حاسمًا، فدارت في فلكهما أحزاب وشخصيات سياسية، وكتل انتخابية وازنة، وكان لهما دور في حسم استحقاقات انتخابية في أكثر من مرة.
- عبدالمهدي والسيسي يؤكدان أهمية التعاون بين العراق ومصر في مكافحة الإرهاب
- تظاهرة منددة بـ“جرائم الإخوان“ في تعز.. والمحافظ السابق يحمل قطر المسؤولية
غير أن بعض المراقبين للشأن الموريتاني، يرون أن الرجلين تجاوزتهما الأحداث، بفعل تسارع المتغيرات السياسية، خاصة مع انفراط عقد المعارضة بفعل ضربات النظام أحيانًا، أو بسبب الخلافات الداخلية، وفي بعض الأحيان بسبب تصلب المواقف، واتباع سياسة الكرسي الشاغر، وقد كان لنتائج حزبي التكتل والتحالف في الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي وصفت بالمتواضعة بالمقارنة مع ماضيهما السياسي، ما يعكس ذلك.
لكن المناصرين يرون عكس ذلك، فحسب الشيخ سيدي أحمد حيده، عضو المكتب التنفيذي لحزب تكتل القوى الديمقراطية، في تصريح لـ“إرم نيوز“، فإنهما ”استمدا قيمتها المعنوية والمرجعية، من المشروع السياسي لأحزابها ومواقفها من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلد، وتضحياتها في سبيل مشروعهما وصمودهما عليه رغم الاعتقالات والمضايقات والإغراءات الكثيرة“.
ويضيف ولد حيده: ”أي مترشح استطاع أن يحصل على الشرعية التاريخية لشخصية مثل أحمد داداه، ستكون إضافة نوعية ومصداقية له داخليًا وخارجيًا، وستمكنه من أن يكون فرس الرهان، إن توفرت شروط الشفافية والنزاهة الضرورية لتنظيم انتخابات رئاسية مصيرية“.
مشهد مرتبك
ويعتبر الحديث عن إعادة تشكيل الخريطة السياسية، لدرجة تقذف ببعض الشخصيات الوازنة في المعارضة إلى هامش دائرة الضوء بفعل مواقفها السياسية، قد يكون سابقًا لأوانه، إذ يجب الحديث عنهم في سياق أحزاب المعارضة بشكل عام، في ظل تغير مواقف بعض تلك الأحزاب، والشخصيات التي كانت في الصف المعارض، ما يفتح المجال لمرحلة تشكل جديدة.
وحسب الدكتور محمد سيد أحمد فال بوياتي، مدير مركز ”مبدأ“ للدراسات الاستراتيجية في تصريح لـ“إرم نيوز“، فإن ”استشراف مرحلة التشكل التي تعيشها المعارضة الموريتانية غاية في الصعوبة في هذه الآونة؛ بسبب ما شهدت وتشهد من تصدعات في جدار المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة (أكبر تجمع سياسي معارض)“.
ويضيف بوياتي: ”تحول موقف قادة في المنتدى من المعارضة إلى موقف أقرب إلى الدعم، وحتى إلى الدعم الصريح، بالإضافة إلى تحول المعارضة المحاورة إلى الانصهار في الحزب الحاكم (حالة حزب الوئام بقيادة بيجل ولد هميد) أو الدعم الصريح (حالة حزب التحالف الوطني الديمقراطي بقيادة يعقوب ولد أمين) وحالة الانتظار الأقرب إلى الدعم دون التصريح حتى الآن (حالة حزب التحالف الشعبي)، كل ذلك زاد الصف المعارض إرباكًا“.
الرئيس بين مرحلتين
الرئيس الحالي، محمد ولد عبدالعزيز، الذي يحرمه الدستور من الترشح لولاية رئاسية ثالثة، يعتبر إحدى الشخصيات المؤثرة في المشهد السياسي الموريتاني خلال العقد الأخير، وتمكن على مدى سنوات من استقطاب شخصيات معارضة، ظلت عصية على جميع الأنظمة.
كما كان واجهة الصراع مع أحزاب المعارضة بمختلف أطيافها طيلة فترة حكمه، ووقف ضدها أكثر مما فعل حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، وأحزاب الموالاة الداعمة له، واليوم يغادر السلطة بقوة الدستور، لكنه صرح أكثر من مرة أنه لن يغادر المشهد، بعد خروجه من القصر الرئاسي.
غير أن ذلك الحضور، وتلك القوة قد لا تكون بنفس ما كانت عليه وهو ما يزال رئيسًا، خاصة في ظل حالة الانتجاع التي يتبعها بعض السياسيين، والتي تُسقط تلقائيًا من حساباتها من يخرج من نفوذ السلطة.
وما إسقاط التعديلات الدستورية من قبل مجلس الشيوخ الملغي ببعيد، والتي جاءت بعد وقت قصير من إعلان الرئيس عدم ترشحه لولاية ثالثة؛ احترامًا للدستور، فأحس غالبية الشيوخ وقتها بأن مصالحهم أولى في هذه الحالة، ما دام الرجل سيخرج من الحكم، فرفضوا التعديلات رغم أن معظمهم يحسب على الحزب الحاكم أو الداعمين له.
لكن بعض الجهود التي بذلها الرجل في فترة حكمه، قد تخدمه بطريقة أو بأخرى في وقت لاحق من مشواره السياسي.
ويرى الدكتور محمد سيد أحمد فال بوياتي، أن ”انصهار بعض الأحزاب مع حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بفعل قانون الأحزاب الأخير، أو بفعل قرار بعض قادة تلك الأحزاب، مثل حالة حزب الوئام سيمكن ولد عبدالعزيز من لملمة هذا الكشكول، بشرط بقائه منسجمًا بعد الانتخابات الرئاسية، ليكون سندًا وظهيرًا وذراعًا سياسيًا لرفيقه محمد ولد الغزواني في حالة فوزه، مع ضرورة أن نضع في الاعتبار أن الخارطة السياسية في موريتانيا سريعة الحركة بفعل تغير المواقف والأمزجة وثقافة الانتجاع السياسي“.
المصدر: أحمد ولد الحسن ـ إرم نيوز