هنا اسنيم / محمد الأمين ولد الشيخ | 28 نوفمبر

 

فيديو

هنا اسنيم / محمد الأمين ولد الشيخ

جمعة, 01/03/2019 - 12:27

هي تماما كالجمعية السرية الخارج عنها لا يعلم عنها أي شيء، و الداخل فيها لا يستطيع أن يقول عنها أي شيء، أقول لا يستطيع أن يقول عنها أي شيء، لأنه ببساطة يخاف أن يهتك أستار الشياطين، يفشي أسرار الشياطين، روائح الشياطين.. هنا أسنيم حيث عشش الفساد و باض و فرخ و أستغلظ و استوى، هنا أسنيم حيث تقام المشاريع العملاقة التي لا تدر أي دخل، هنا حيث تتجاوز الخسارة المليار دون أن يحاسب أي أحد، هنا تسرق المليارات دون رقيب و تكون سرقة بطارية مصباح يدوي كفيلة بتسريح صاحبها دون أي حق، هنا حيث السرقة تحت الأضواء الكاشفة و في وضح النهار،

هنا أسنيم حيث تتم الترقية، و تمنح الامتيازات بمجرد التصفيق لحزب معين، هنا أسنيم حيث تجد العامل الذي ضاع أكثر من ثلث عمره في خدمة الشركة بدون مأوى، في حين يتم توزيع منازل الشركة على أشخاص لا علاقة لهم إطلاقا بها، هنا أسنيم حيث تجد العامل يأخذ الإذن بتدخل من مشيخة روحية أو مشيخة عسكرية أو يتم إعطاؤه تسريحا ليشتغل بحملة انتخابية، ومع ذلك يتم تسجيل حضوره كل يوم في الوقت الذي يكون فيه مسافرا يسرح ويمرح حيث شاء، ليتقاضى بعد ذلك نفس الراتب الذي يتقاضاه العامل بل يتم إعطاؤه نفس الرتبة التي استحقها المثابر المجد المسئول الذي يعرف مهنته و يزاولها، هنا شركة أسنيم حيث يوقع العامل على عقد بموجبه تتولى الشركة الضمان الصحي بالنسبة له ولزوجه و أبنائه، ليجد نفسه أمام مستشفى لا أخصائي فيه ولا هم يحزنون، حتى الأطفال بدون أخصائي و النساء بدون أخصائي فضلا عن مختص في الأعصاب أو القلب أو الحنجرة أو المسالك أو الحروق أو الكسور أو الصدر أو الباطني...الخ،

هنا أسنيم حيث تحدد الإدارة للمستشفى كم من حالة يمكن أن يتم رفعها في الشهر، ليبقى بقية المرضى يصارعون الموت، هنا أسنيم حيث تستطيع كل يوم أن تأخذ ما تشاء من الصور من العمال و هم في طوابير طويلة أمام المخزن الغذائي و كأنك أمام منكوبين جراء إعصار أو حروب أهلية أو لاجئين أثخنهم العوز، هنا أسنيم التي تبيع للعامل الأرز الموريتاني بنفس السعر الذي كانت تبيع له به الأرز التايلاندي،

هنا أسنيم حيث يحس العامل أن لا كرامة لديه، فكرامته تسحق كل يوم تحت مواثيق توقعها الشركة دون أن تهتم بتطبيقها، هنا اسنيم حيث تنعدم الثقة تماما بين العامل و الإطار و بين الإطار و المدير و بين المدير و المدير العام، هنا أسنيم حيث معايير المسابقة لا تكون دوما علمية، حيث تعلن أنها ستكتتب أبناء المتقاعدين في نظرة إنسانية، لتدرك بعد ذلك أن أكثر من 40% من المكتتبين لم يكن لهم أي شخص يعمل في الشركة، هنا أسنيم حيث الكفاءة ثانوية، أما القرابة و المكانة و المصلحة و الوساطة و التزلف و "الانبطاح" هي السلم الأمثل للترقي في الوظيفة، بل حتى لمنحك بعض حقك الضائع كالرفع الطبي مثلا، هنا اسنيم حيث الحوادث تنبئ أن السلامة مجرد اسم مجوف بلا معنى، هنا اسنيم حيث يتوقف العمل بسبب أن الوردية لم تجد منذ شهور حقها من علب الحليب أو السردين أو الصابون أو كمامات الغبار أو...

هنا أسنيم حيث يتوقف الإنتاج لأن إحدى الآليات العملاقة متعطلة ولم تتوفر سيارة لنقل الميكانيكي أو العامل لإصلاحها، في الوقت الذي تقف سيارات الشركة الفاخرة أمام منازل الأطر و المديرين بل حتى عند النساء و الأطفال تجوب الشوارع و أمام محلات التسوق، هنا اسنيم حيث لا ترى الإدارة أبعد من أنفها، حيث تنعدم النظرة الإستراتيجية المستقبلية و تسير الشركة دون استشراف المدى البعيد، هنا أسنيم حيث يقرؤون حروفك الناطقة بالحق، فتحبل من أفكارهم الشريرة حتى ولو كانت عقيمة لا تلد، و يجبرونك على دفع الثمن، هنا أسنيم حيث يحجز الظلمة مكانهم في الصف الأول من المسجد دون أن يتعظوا بمن سبقهم، و كم سبقهم من اللصوص و الظلمة وقد زالوا جميعا، بل إن بعضهم اليوم يجر ذيوله لعل الساسة ينظرون إليه بعين الرضا، هنا أسنيم حيث تبخل الإدارة على العامل و حيث تظل بعض العلاوات محفوظة في ثلاجة الزمن منذ أكثر من ثلاثين عاما و كأن الأوقية لم تتدن قيمتها و تتردى و تهبط حتى أزيل منها صفر بأكمله.

سيقول البعض أني قسوت على الشركة و أن هذا النقد اللاذع لا ينبغي، و أن شركة أسنيم طالما كانت هي الحبل السري الذي يغذي موريتانيا كلها منذ أن كانت جنينا لم يكتمل و لها من الفضائل علينا جميعا ما يجعلنا نغض لها الطرف عن الكثير، و أنا لا أنكر ذلك، لكني أقول أن بعض الأمراض لا يشفى إلا بالكي و كما قال نزار قباني:

إن أكن قد كويت لحم بلادي
فمن الكي قد يجيء الشفاء
 

هو إذاً إحساس بعملاق ينهار و جبل يندك بسبب تراكمات إن لم تصحح، قد تؤدي به -لا قدر الله- إلى أن يكون أثرا بعد عين، فاتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، و اتقوا الشح فإن الشح اهلك من كان قبلكم، و أعلموا أن هذا التداعي الحر الذي تشهده الشركة ليس إلا نتيجة لما سبق فالظلم مؤذن بالخراب (وَتِلْكَ الْقُرَى أهْلَكْنَاهُمْ لَمَا ظَلَمُوا) (وَكَذَلِكَ أخْذُ رَبِّكَ إذْ أخَذَ الْقُرَى وَهِيَّ ظَالِمَةٌ إِنَّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيدْ)... أعيدوا تأسيس الشركة على أسس عادلة، و احترموا مواثيقها، و أعيدوا الثقة بين أفرادها، و أبعدوها عن زوابع السياسة و صواعقها، و ركزوا على سلامة العامل و صحته فهو اللبنة الأساسية في عملية الإنتاج.

و إن لم تأخذوا ذلك بعين الاعتبار فاعلموا أن لا بناء و لا تقدم و لا نهوض و لا إنتاج و لا مستقبل و لا... تصبحون على خير.