أخيرا حسم الرئيس محمد ولد عبد العزيز صراع العقل والعاطفة داخل مؤسسة الحكم فقرر دعم رفيق السلاح الفريق المحتجب عن الأضواء محمد ولد الشيخ محمد أحمد وزير الدفاع الحالي لخلافته في القصر الرمادي.
بالنسبة لبعض المراقبين للمشهدين السياسي والجيواستراتيحي محليا وإقليميا. بدا الاختيار موفقا وذكيا في الوقت ذاته. فوزير الدفاع القادم من دفة قيادة المؤسسة العسكرية خلال العشرية الماضية يرتبط بعلاقة فريدة مع الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز فضلا عن إلمامه بتفاصيل ملفات كثيرة أمنيا، وسياسيا، واجتماعيا.
الغموض البناء
عشية تأسيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم قبيل نحو عشر سنوات لفت النظر حينها إسناد رئاسته للوزير والسفير السابق محمد محمود ولد محمد الأمين سألت يومها صحفيا مخضرما عن تفسيره للأمر ليجيبني بأن الرئيس ولد عبد العزيز الذي كان يكابد وقتئذ لتبيت أركان حكمه قرر إسناد قيادة ماكينة النظام السياسية لقائد الأركان وزير الدفاع الحالي من خلال اختيار مقرب منه. ومع مرور الوقت كان مرشح الأغلبية للاستحقاقات الرئاسية القادمة مدفوعا بقيود البزة العسكرية بعيدا عن البروز في عملية صنع القرار لكنه في الوقت ذاته كان حريصا على إظهار لمساته كـ"بلسم" كلما احتاجه رفيق السلاح الرئيس المفتون بالاستعراض ومخاطبة الجماهير وجها لوجه.
موريتانيا التي تعيش ظرفا استثنائيا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي تفرض أوضاعها الحالية على المرشح ولد الغزواني إذا ما قدر له الولوج إلى القصر الرئاسي أن يثبت انه رئيس يحكم ولا يحكم من خلاله. وفي سبيله لتحقيق هذا الهدف سيكون عليه الحذر من مفخخات كثيرة ستعترض طريقه.
صديقه الذي يغادر الرئاسة بعد أشهر حكم البلد خلال العشرية الأخير بنموذجين مختلقين: في مأموريته الأولى أطلق الكثير من المشاريع التموية التي أحدثت طفرة تنموية حظيت برضا مقبول عند العامة مما ساعد نظامه في تجاوز تبعات ما أطلق عليه الربيع العربي.
لكن مأموريته المنتهية أضحت عنوانا برأي كثيرين لتحكم الأسرة والأصدقاء في تفاصيل الفعل السياسي والاقتصادي للبلاد مما نتج عنه إفلاس مؤسسات عمومية عريقة وولد احباطا وشعورا لدى المواطن العادي بترهل الدولة.
ولد الغزواني الذي اختاره الرئيس لخلافته لن تعوزه الدراية بواقع البلد. وبرأي محللين فإن فترة حكمه ستشهد الكثير من نقاط التشابه مع فترة الرئيس الراحل اعلي ولد محمد فال. فكليهما تدرج في المؤسسة العسكرية ويمتلك مستوى تعلميا لا بأس به. ومن هنا فإن نظرته للطريقة التي تتم بها معالجة الأمور قد تتسم بالتروي والحرص على تحقيق مستوى مقبول من الإجماع الداخلي، خاصة في ظل الحديث عن طفرة في مجال الطاقة ستعرفها البلاد تتزامن مع تسلمه مقاليد السلطة مما سيوفر موردا اقتصاديا هاما يجب استغلاله لتحسين ظروف المواطن الاقتصادية وهو الذي أنهكه الجفاف وقلة الأمطار، وصدمته سياسات الحكومات المتعاقبة اتجاه كارثته التنموية خاصة في الأرياف.
على المستوى الخارجي وضع الرئيس المنتهية ولايته أسس دبلوماسية موريتانية فعالة نتج عنها تنظيم قمم افريقية وعربية في نواكشوط، وانحازت البلاد إلى قضايا الأمة المصيرية. وإن كان الخطأ الوحيد هو قطع العلاقات المتسرع مع دولة قطر.
ومن هنا فإن مرشح "الأغلبية" قد يستفيد من هذه التجربة رغم أن مهتمين بالعلاقات الخارجية للبلد قرؤوا في استضافته لوزير الدفاع الإيراني قبل نحو شهر رسالة إلى دول الخليج في أنه لن يحذو حذو صديقة المغادر ممالئتها في قراراتها الدبلوماسية الارتجالية.أصحاب هذا التحليل يستشهدون بمجموعة من الشواهد من بينها أن الرجل خلال إدارته للمؤسسة العسكرية رفض مشاركة موريتانيا عسكريا في حرب اليمن، بنفس التصميم الذي رفض به مشاركة الفرنسيين في حربهم ضد القاعدة في شمال مالي، ونقلت مصادر أنه كان وراء إقناع صديقه الرئيس محمد ولد عبد العزيز بعدم التورط بنشر قوات عسكرية في نزاعات لا تحظى بدعم أممي.
محمد محمد فال - كاتب صحفي