حين تحول الخطاب المعارض إلى سلعة استهلاكية وأصبح الموقف المعارض موقفا عكسيا تماما كحركة الأجسام ضد الجاذبية، بدا جليا أن المواطن الذي ربط آماله بالأحزاب المعارضة كان خاطئا، إذ تبين أن جوهر "المشروع المعارض" مبني أساساً على بقاء الحركة التنموية جامدة، لأن الحالة النهضوية للأمة سواء على المستوى التنموي أو السيادي تعني بالنسبة له خطراً وجودياً، خصوصا في ظل التفكك الذي حول الطيف المعارض من خيار بديل إلى نسيج سياسي محروق يصعب الخروج منه بمشروع قابل للتغيير على أرضية وطنية، ناهيك عن التوافق على مرشح باستطاعته تقديم رؤية ناضجة مقنعة، دون أن يكون مرتبطا بالمناخ العفن لمنظمات التمويل الأجنبية والحركات الحقوقية المخابراتية، التى تبحث عن موطئ قدم لها فى إدارة وتوجيه الشأن السياسي المحلي في ظل الاكتشافات الأخيرة لحقول الغاز والدور السياسي الريادي للجمهورية إقليميا وعربيا.
على النقيض يبدو الجانب النظامي أكثر عصامية من حيث التصدي للأزمات، وأنجع حلولا في شتى العقبات السياسية التي واجهها، وبذلك تحكم في مسار اللعبة، وأصبح أقرب ما يكون للواقع، بالتحكم في أذياله الداخلية وإقناع موجهيه في الخارج، مما سهل تمرير مخططاته التي توجها مؤخرا بترشيح الرجل الثاني في النظام وربما تحويل الرئيس الحالي لدور "السلطة المتخفية وراء العرش" ليدير الأمور بتحكم كما في رواية "مطعم نهاية العالم "The Restaurant at the End of the "Universe التي يتضح فيها أن رئيس المجرة الذي من المفترض أن يكون القائد ليس سوى طُعما يستخدم بهدف الإيهام بالديمقراطية بينما السلطة الحقيقية في يد رجل عجوز يعيش وحيدًا في كوكب مهجور ولا يؤمن بحقيقة وجود مخلوقات أخرى خارج خياله، بل يمكن الافتراض أنه لا يؤمن بأي شيء (أو في الحقيقة بأي شخص) وإنما يطبق رؤيته من خلال رسل غامضين ينفذون أوامره من خلال الطعم الذي يظهر قائدا علنيا.
لكن وبغض النظر عن تباين الطرفين أوأولويتهما للوطن هناك ثلاث حقائق يحسن التوقف عندها:
أولا: أن النظام نجح في إشغال المعارضة ببعضها وبث الخلاف بينها من خلال شراء مواقفها مرارا وبذلك يبقى حلمها للتغيير معلقا حتى إشعار آخر.
ثانيا: أن الناخب سيحظى بما يكفي من الوقت لتشغيل عقليته المنفعية والصلاة غيابيا على روح التغيير.
ثالثا: أننا على السلم المتحرك سواء تحركنا أم لا فإننا نسير إلى النهاية، فلا عاصم من تجربة سياسية ضبابية في ظل نظام الحكم المبهم واستمرار التخبط من ذات الأفواه المعارضة
والخلاصة أننا على حافة الهاوية لا بسبب التهديد بالفناء المعلق على رؤوسنا وإنما بسبب إفلاسنا في عالم القيم.
الداه ولد الفتى