..يروى عن (توني بوديستا)، السياسي الأمريكي المعروف ومدير حملة السيدة كلينتون، أنه حين علم، في أوائل خريف 2016، بترشح دونالد ترامب لسباق المكتب البيضاوي، كادت رئتاه تنفجران من شدة الضحك، لكنه قال لنفسه، على الأقل، سيضفي هذا الرجل الذي يشبه شخصيات أفلام الكرتون، بعض الطرافة على معاركنا السياسية الشرسة،
بعد هذه الحادثة بأشهر قليلة، وفي ذروة شتاء 2017 في واشنطن دي سي، وبالتحديد في العشرين من كانون الثاني/يناير، سيهدي تاجر العقارات، القادم من مدينة الأحلام نيويورك، وحفيد المهاجر الذي جاء من مدينة ألمانية نائية، حماما باردا جدا إلى الطبقة السياسية التقليدية في أمريكا، سيرسلها برمتها إلى حافات الجنون والهذيان، عندما يؤدي اليمين الدستورية في ساحة الكابيتول، بوصفه الرئيس الخامس والأربعين، لأقوى دولة في العالم،
في ذلك المساء الفريد، من شتاءات مدينة واشنطن، الباردة حتى الصقيع، سيمسح ترامب بحنان منقطع النظير، دموع الفرح من على خدود الجميلة (ميلانيا)، عارضة الأزياء، التي تحولت إلى زوجة وأم "بدوام كامل"، سيرسلها لتقضي ليلتها الأولى في غرفة دافئة داخل البيت الأبيض، ظلت حتى ذلك المساء، حكرا على سيدات "المجتمع الأرستقراطي" الأمريكي الراقيات، سليلات جامعات هارفارد وسامفورد وبرنستون...،
هي، الفتاة السلوفينية، التي كان أبوها عضوا مغمورا في أحد الأحزاب الشيوعية، وأمها عاملة بسيطة في مصنع لملابس الأطفال، هي، التي تحصلت، بشق الأنفس، على جنسيتها الأمريكية، منذ عشر سنوات فقط، ستصبح، من تلك اللحظة، سيدة أمريكا الأولى،
سيسخر رجل أمريكا القوي الجديد، من جميع الرؤساء السابقين الذين حضروا حفل تنصيبه البهيج، وسيجعلهم يتصببون عرقا حتى آخر قطرة، أمام أنظار العالم كله، وسيقول مدير حملته، (بول مانافورت)، عبارته الشهيرة: "كنت سأخسر كثيرا، لو أنني نجحت في إقناع دونالد ترامب، بأن يكون شخصا آخر، غير دونالد ترامب"،
اتقوا شر السياسة، فهي مضحكة أحيانا.
..هلموت شميت، المستشار الألماني الخامس بعد الحرب العالمية الثانية، الذي قالت عنه السيدة (ميركل):"إن المؤسسة السياسية الألمانية ستبقى مدينة له بالكثير، حيث قادها لتجاوز مرحلة تاريخية صعبة"، عاش لقيطا، عرف لاحقا بأن أباه مصرفي يهودي، كما يروي لنا ذلك، الرئيس الفرنسي الأسبق، فاليري جيسكار ديستان، في مذكراته "السلطة والحياة"، المثقلة بالمشهديات الحزينة،
الرجال الذين غيروا وجه السياسة في هذا العالم، جاؤوا دائما على حين غرة ومن اللامكان، خرجوا دائما من الصفوف الخلفية البعيدة جدا عن الأنظار، والتي لم تكن تخطر على بال أحد، نبتوا دائما واشتد عودهم، في الأوقات والأماكن، التي لم تكن في الحسبان.
..في جارتنا البعيدة غامبيا، سخر يحيى جامى والذين معه كثيرا، من مرشح المعارضة "آداما بارو"، أعادوا الكرة مرات عديدة، في سهراتهم الانتخابية الطويلة، العامرة بأنواع الأكل والشراب والرقص والأجساد الناعمة،
كانت السيرة الذاتية للمرشح الرئاسي "بارو"، تقبع تحت خط الفقر:
رجل عصامي حتى نهايات أصابعه، ينحدر من قرية صغيرة منسية في الشرق الغامبي، حصل على شهادة كفاءة متوسطة في العلوم الشرعية، هاجر إلى المملكة المتحدة طلبا للقمة العيش، اضطرته الظروف أن يتسكع مع البوهيميين في محطات المترو وعلى الأرصفة التي بللها المطر، وأن يعمل حارسا ليليا، في مدينة الضباب لندن، لكي يغطي نفقات دراسته،
أما الوظيفة السياسية التي كان يشغلها السيد آداما بارو، أشهرا قليلة قبل الانتخابات الرئاسية، فهي من ذلك النوع الذي لا يتمناه المرء أبدا، أمين خزينة في حزب معارض، تحت نظام استبدادي، داخل بلد، يقع عند أقصى تخوم النسيان،
لو أن شخصا ما تجرأ وقتها، وقال لنا إن رجلا بهذه المواصفات، هو من سينهي أكثر من عشرين عاما، من حكم الرئيس، الدكتور، البروفسور، الحاج، يحي جامى، الذي تقول حكاية شعبية تسري في أزقة بانجول، إنه حتى الرصاص الحي، توقف عن محاولة اختراق جسده، لكنا أرسلنا ذلك الشخص، دون تردد أو ندم، إلى اُقرب مستشفى للأمراض العقلية، ليمضي بقية أيامه هناك.
..الذين يزعمون، بأنهم يعرفون الاسم الكامل لرئيسنا القادم، وتاريخ ازدياده، والجادة التي يقطن بها، والشقة التي يقيم فيها، وألوان ربطات العنق التي يضعها، ومعجون الأسنان المفضل لديه، وماركة العطر المحبب إلى نفسه ونوعية ورق الحمام الذي يستعمله...، إنما هم عصبة من المقاولين السياسيين الصغار، يبيعون الناس كلاما منتهي الصلاحية،
السياسي البريطاني (دونالد سوبر)، هو صاحب المقولة الشهيرة:"الأسبوع، هو فترة زمنية طويلة جدا في عالم السياسة"، فما بالك ب"رئيس قادم"، ما زالت تفصل بيننا وبينه شهور عديدة؟!