في لحظة حرجة من لحظات بلاد العجائب وبدون مقدمات مارس الجيش لعبته المفضلة "التناوب" أو النزول بالقوة على "السلطة"، لعبة طالما الفها ، والثبور لمن جبنت خيوله قبل أن يذيع بيان الكذب الكفيل بإخراج الأحمدو واهيون، مشنفين المسامع بمثالب من كانوا يتمسحون بشسع أحذيتهم ، وانطلقت اذرعهم ممثلة في كتيبة التملق البرلمانية ممهدة إجهاض مشروعٍ رغم تشوهاته الخلقية ، كان كفيلا بأن يكون لبنة اولية في ميلاد ثقافة التناوب السلمي على السلطة حتى نكون الوحيدين في مجالنا العربي الذين نجحوا في حل مشكل من يتولى "الأمر " بالتوافق وبالطرق العصرية الأنجع.
في اللحظة الفارغة تلك حلمنا وتحقق جزء من الحلم تمثل في وصول مدني مدعوم من اصحاب النياشين إلى الرئاسة ، وبدأ القطار المحمل بأثقال الأوهام والأحلام ، يتحرك ببطء، وفي يوم من ايام نواكشوط الهادئة حركت كتيبة الرعب مزنجراتها وأدخلت البلاد نفقا مظلماً، ثم تنادى الكل إلى دكار وبقية المعزوفة معروفة.
في هذا المخاض العسير والمنعطف الخطير والمعقد ، ظهر على مسرح الأحداث مواطن بعقل وتكوين أوربي عميق ، احتضنته عاصمة أوربا أيام ازدهار النهب والقمع والفساد في بلاده ، في قمة تلك الجرائم كانت المنظمات الدولية تمنحه ثقتها، وكان يمنحها خبراته مثبتا قدرته على تحمل اعباء التنمية في افريقيا والكاريبي، لم تُنسه المنظمات الدولية بكل مغرياتها على -ما يبدو- معانات أهله في "المنسية" الحوض الشرقي ، حيث حمل لها مشروع "التنمية المندمجة للحوض الشرقي" الممول بلجيكيا.
في المرحلة الحرجة تلك أصبح سفيرا في بروكسل التي يقيم فيها، والتي الفته نخبها والنخب المقيمة فيها لتحديث سياسات القارة العجوز ، كان النظام الجديد يحتاج من يقنع أوربا بأن بلاده لا تتحمل الاجتياح ، ولا تجفيف ينابيع المساعدات بسبب ممارسة الجيش لهوايته -الانقلاب- ضد قائده المبغوض ، حتى وإن كان مُزيحه هو نفس اليد التي بطش بها سنين عددا، فدافع الثمن سيكون المواطن المعوز والمنطقة تحتاج الاستقرار.
قاد الحكومة من سنة (2008-2014) خلالها عرفت البلاد نقلة واعدة من حرية تعبير غير مسبوقة ، وانطلق قطار المنشآت الخدمية، مشاريع وطرق ، ومستشفيات وتجهيزات ومراكز تكوين، ولم يعد حديث الموظف السامي مع المعارض الرديكالي "جريمة تفقده وظيفته" واحتضن العالم الجنرال المنقلب، بعد أن كان يطالب برأسه، وفجأة كشف عن طباعه ومحفزات انقلابه أصلاً إنها جشع دفين، ومحاباة الأقارب ونهب الثروة بوقاحة غير مألوفة عند من سبقوه ، فلم يعد من يفكر بالطريقة الأوربية المنفتحة على المعارض ،والمتعففة عن المكاسب، والاهتمام بالتنمية مرغوب فيه لعدم صلاحيته للمرحلة.
بعد أن اقترب موعد "التزوير الأكبر" لاحديث أكثر ازعاجا من ثرثرة المحللين الأغبياء هذه الأيام حيث غالبيتهم تعيد انتاج معزوفة أن الجنرال "الشيخ" هو من سيتوج حاكما ليسمح "للغظف" برقصات الجدب داخل أسوار "المعبد" بعد ان حرم التجانيون من ممارسة "وظيفتهم فيه" وأكثر ما يقدم اصحاب هذا الرأي هو انطباعات وأوهام يظن ناشرها في نفسه التميز!، وحده الفذ سيدي علي بن بلعمش ببراعته وجراءته وصدقه، قدم وبأسلوبه الشيق تحاليل في صلب الموضوع ،فقبل ايام نشر وخزةً فيها من الوجاهة الشيء الكثير، حيث تحدث عن النادي العسكري لأبناء الشمال الذي تكون على يد الجلاد ولد هيدالة والذي يحكم منذ اربعين عاماً تمدد خلالها وسيطر على الثرة هو ومدنيوه ولم يشركوا معهم أحداً ، في مراحل سابقة كان يحكم بخليط من الضعفاء من غير الشمال بهم انتشر الفساد في البر والبحر.
في هذه الأيام وصلت الجهة والقبيلة الذروة "فرأس الدولة والتشريعي،والمركزي، والصناعية المنجمية ، والمنطقة الحرة ، والوزارة "الأولى" وقيادة الجيوش والحزب الحاكم، جميعهم من نادي الشمال، من من الأغبياء يصدق أن كل هؤلاء بمستوى من السذاجة حتى يفرطوا في الثروة والجاه والامتيازات لأحد الاتباع؟