إثر الانتخابات المنتهية للتو، والتي جرت في شهر آيار سبتمبر 2018، ظهرت مؤشرات ملموسة تدل على سقوط النظام وقرب نهايته!، فهل الممسكون بتلابيب الحكم، من عسكريين ومدنيين، قادرين على إرجاع أو على الأقل إرجاء موجة التغيير المرتقب العاتي؟!
وكان من أهم تلك المؤشرات على الصعيد الانتخابي سقوط نواكشوط انتخابيا، وكذلك نواذيبو وازويرات تقريبا، حيث لم يتمكن العقيد المتقاعد المتمرس الشيخ ولد بايه من النجاح في الشوط الثاني ،إلا بعد لي شديد، بكافة معنى الكلمة.
نواكشوط فاز بأغلب أصواته البرلمانية حزب تواصل والمنتدى، المؤشر الأول.
نواذيبو فاز بأغلب أصواته الزعيم السياسي صاحب الشعبية الكبيرة بالعاصمة الاقتصادية نواذيبو، النائب العمدة القاسم ولد بلال.
وهو أول منتخب يتصف بهذا الاسم على مدار انتخابات آيار 2018 (النائب العمدة).
فقد استطاع أن يبز جميع الأطراف المتصارعة انتخابيا في نواذيبو لصالح جاذبيته وتجربته الخاصة، وربما كان من الأكثر أدبا مع سكان نواذيبو أن تنسحب الدولة مؤقتا، بجميع رموزها الهشة في نواذيبو وأن تترك القاسم ولد بلال يسير ولاية داخلت نواذيبو، واليا ورئيسا للمنطقة المرة، وحاكما ومسيرا لجميع الشؤون الأمنية، وتلك لعمري دلالة وبعض مقتضيات اختيار شعب نواذيبو له، عن جدارة ووعي كامل، نائبا وعمدة لمقاطعة وبلدية نواذيبو، على التوالي.
أما انتظار اللحظة ، على الصعيد الوطني ،التي تتبدل فيها الوجوه العسكرية والمدنية البائدة، مهما كانت دعاوي نجاحها في بعض الأوجه.
فتلك ربما مسألة وقت فحسب، حسب المؤشر الانتخابي لأيار 2018.
وكان مهندس الفشل الأول في هذه التجربة الانتخابية المرة بالنسبة للحزب الحاكم وأغلبيته، سيدي محمد ولد محم والمختار ولد أجاي ووزير الدفاع المغرم بالموسيقى الشعبية الخاصة به، حيث يرافقه فنانه الخاص مع آلة العزف التقليدي، أينما حل أو ارتحل !.
أجل سيدي محمد ولد محمد وأصحابه أقنعوا الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز بأن الدولة قوية وقادرة على تمرير كل خياراته الانتخابية، بأساليب وطرق شتى. وإن نجح هذا الطرح الافتراضي بالداخل أساسا، وبوجه خاص في أطار، تحت ضغط التزوير واحتقار الأصهار (أسماسيد أطار)، الذين لم يحظ بحقيبة انتخابية واحدة على طول وعرض آدرار، رغم أحقبتهم في ذلك، بحكم وزنهم العددي والنوعي. تحت ضغط عقد ولد محم مع أبناء عمومته وتوتر علاقات ولد عبد العزيز مع أصهاره الأطاريين خصوصا، وتهديد بعضهم بالضرائب والعقوبات المختلفة، بصورة مباشرة وغير مباشرة، وعبر لقاءات مباشرة واتصالات هاتفية مباشرة، طيلة الحملة بوجه خاص، للأسف البالغ.
إلا أن الناخب الواعي في العواصم الثلاث استطاع الانتقام الانتخابي السلمي الحضاري الرفيع، في العواصم الثلاث.
العاصمة الإدارية والسياسية نواكشوط، العاصمة الاقتصادية نواذيبو، العاصمة المنجمية ازويرات، التي استطاعت أن تربك المرشحين النيابيين للحزب الحاكم في ازويرات وتلجأهم لكسب المعركة في الشوط الثاني ،عبر طرق لا تخلو نهائيا من دواعي الريبة الكبيرة بامتياز!.
أما السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز الغاضب المتشنج من نتائج الانتخابات، فقد صرح في المؤتمر الصحفي بالقصر الرئاسي، إبان نتائج الانتخابات، إنه هو شخصيا، من أمر بقطع الاشتراكات والدعم والتكوين عن الصحافة المستقلة جميعها في موريتانيا، بحجة أن تلك المخصصات المالية كان يستغلها بعض المسؤولين لتلميعه إعلاميا. إذن السيد الرئيس هو من أمر شخصيا بتجفيف المنابع عن الإعلام الحر، حيث أصدر الوزير الأول يحي ولد حدمين في مطلع سنة 2016 أوامره للمفتشية العامة للدولة بترجمة ذلك عمليا، بإبلاغ مكتوب، لكافة الجهات المعنية. فأضحت الصحافة المستقلة تختنق وتتجه ذات اليمين وذات اليسار، لا إراديا، عسى أن تتنفس ماليا ولو نسبيا، ولكن دون جدوى.
ومن وجه آخر أضحت المحاصصة الحكومية والوظيفية والمنفعية بشرط التبعية المطلقة، فقد اضطر أحد رموز المعارضة الوطنية للخنوع والركوع وتقبيل أحذية الجنرال المتغلب ،بمبرر الحصول على وظيفة نائب أول لرئيس الجمعية الوطنية، وأعلن اليوم في وثيقة مكتوبة انتماء حزبه للموالاة، كما أن بعض النواب مستعدون لتقلد وظائف حكومية، للتخلي عن وظائفهم الانتخابية، لصالح مقربين عائليا من أسرة الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
ولا يمكن أن ننسى طبعا خطاب التصعيد ضد الحركة الإسلامية وتواصل بوجه خاص، الذي خاض فيه محمد ولد عبد العزيز أثناء الحملة وفي ما بعدها بشكل تحريضي وعملي.
فأغلقت مؤسسات مركز تكوين العلماء وعبد الله بن ياسين، وبقي موضوع حزب تواصل معلقا، بين تجاذبات الحلحلة والتهدئة من جهة والتصعيد والتفخيخ من جهة ثانية ،غير مستبعدة تماما!.
خصوصا بعد دخول دولة الإمارات على الخط ولو بشكل مستور نسبيا، إبان التواصل الهاتفي بين الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز وولي العهد الإماراتي، سمو الأمير محمد بن زايد.
كما تبع ذلك اتصال هاتفي وزيارة ميدانية من قبل وفد إماراتي سام، زار مقر حلف الدول الساحل في نواكسوط وطلب عمليا تحديد النواقص والحاجات، على أن يرد عليها ايجابيا، ربما في سياق التعاون الاستراتيجي البريء بين الشقيقتين، وإن كان التوقيت والطقس يدفع لقابلية التأويل، بحرص الإمارات على التضييق على أصدقاء قطر المزعومين محليا، الددو وتواصل مثلا!.
ولا يفوتنا التذكير بما يجري في نواذيبو من تصفية حسابات انتخابية حتى مع أحد أقرب الأقربين.
والي نواذيبو السابق محمد فال ولد أحمد يوره ابن عم الرئيس،فرغم ما قدم للدولة والنظام من خدمات على طريقته الخاصة طيلة سنوات واليا لولاية داخلت نواذيبو، إلا أن الرئيس حسب بعض المعلومات، عاقبه بسبب عدم استعداده لسحب لائحة ابن عمته ،المترشحة وقتها، أي اللائحة، لنيل ثقة ناخبي بلدية بولنوار.
حيث اتصل هاتفيا الرئيس محمد ولد عبد العزيز حينها أيام الحملة بالوالي السابق، طالبا منه سحب اللائحة المذكورة، إلا أن الوالي تحجج متلكئا ومدعيا أن جماعة اللائحة ليست من الحزب الحاكم ووجودها قد لا يضر بالضرورة الحزب الحاكم، فقال له الرئيس لا داعي للمزيد وقطع الخط، حسب الرواية المتداولة .وكانت النتيجة بعد انقضاء المشوار الانتخابي. أن سحبت سيارة حكومية كانت لدى الوالي، وأقيل من وظيفة رئيس مجلس إدارة مصرف شنقيط، وهدم منزل في نواذيبو ينسب له بأوامر من رئيس المنطقة المرة ،ولد الداف!.
في هذا الجو يترقب الموريتانيون اختيار حكومة يرجح أن تكون حكومة لمزيد من التضييق والضغط، من أجل استرداد بعض النفوذ المتسرب في انتخابات أيار 2018، بينما يرجو كثيرون التعقل والتهدئة والمحاصصة والتعايش السياسي السلمي الحضاري الرفيع، رغم الاختلاف المشروع، الذي قد لا يفسد أحيانا للود قضية.
اللهم آمين.
ولله الأمر من قبل ومن بعد