في كتاب الله العزيز ۞ وَ إِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا و َتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) و َإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ۚ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ و َبِالْمُؤْمِنِينَ (62)
ففي هذه الاية دلالة على أن البحث عن السلم والصلح لا ينبغي أن يحول دونه الخوف من خيانة العدو و خدعه فليس ذلك من ديننا. بل أمرنا أن نبحث عن السلام و نتوكل على الرحمان، فقيمة السلام تجعل من مجرد إمكانيته أمرا يقتضي ثقتنا التامة و جهودنا المخلصة لتحقيقه، و في الانجيل منسوباً الى سيدنا المسيح عليه السلام ((مباركون هم صنّاع السلام سينادون المتوكلين على الرب )).
والشيخ عبدالله بن بيه هو من هؤلاء المباركين صناع السلام المتوكلين على الرحمن ، فقناعته أن السلم ليس مجرد الأصل بل هو المقصد الأعلى ومن أعظم نعم الله على البشر فعلينا أن نحافظ عليه عند وجوده ونسعى له حين فقدانه بأقصى ما بوسعنا، والحرب إن وقعت ليست إلا انقطاعاً مؤسفًا للسلام و على ذوي الألباب التشمير لإيقافها بكل السبل المتاحة لهم، و لقد قال الشيخ عبدالله بن بيه:- ( إن الحرب ليس لها من مزية إلا أنها تجعل الناس وقد اصطلوا بنارها يستشعرون قيمة السلام ).
ودعك ممن يُلبس على الناس بجعله الدعوة إلى السلام إبطالاً للجهاد، فالعكس هو الصحيح، فكما بين الشيخ عبدالله بن بيه بأن الجهاد ليس هو القتال فحسب و إن كان بعض الجهاد قتالا، فليس قتال المسلم بجهاد و إنما هو الفتنة التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم واستعاذ.
و الشيخ بن بيه يجمع بين علم الاستنباط و فقه الواقع فكان بذلك حقيقاً من غير مانكير أن يضبط مفهوم الجهاد و يميز بين القتال المشروع و القتال الممنوع . فكانت بذلك دعوته إلى السلام جهاداً ناهيك به من جهاد!
كان العرب في جاهليتهم يعرفون الحرب حق المعرفة، و التنازع على البقاء كان السمة الغالبة على مجتمعاتهم و رحى حروب الثأر كانت تطحن أجسامهم وتحصد أرواحهم. فظهر الإسلام واحة سلام في صحراء من الحروب قاحلة، وقدم سيدنا الرسول الله صلى الله عليه وسلم لهم سبيلاً جديدة هي سبيل السلام والاسلام فأبصر العرب نوراً أنقذهم من حروبهم التي كم أيتمت من طفل و أرملت من امرأة. و كان ذلك إيذاناً بميلاد نظام عالمي جديد استعاض عن الحرب و العنف والثأر بالعلم والتربية و العمران، هكذا انتهض المسلمون لبناء مجتمعات من أكثر المجتمعات التي عرفها تاريخ البشرية تسامحاً و سلماً ، بيد أن ذلك أصبح في خبر كان، فها نحن نعيش عصر اضطرابات جعلت السمة الأبرز في واقع العالم الاسلامي هي فشل الدول والعنف الوحشي والتهجير القسري.
رغم هذا الواقع المرير ما يزال بعض المسلمين يعتبرون إراقة الدماء حجامة بها يصح جسم الأمة ولكن الدم لا يدعوا إلا إلى الدم و هذه الحجامة ما تزيد جسد الأمة إلا و هناً و ضعفاً ، تاركة ًضحايا هذا العمى الحركي يرزحون تحت أنقاض دمار البلدان في حالة من الذهول و الحيرة متسائلين هل لهذا الليل البهيم من صباح ؟
يدعو الشيخ عبدالله بن بيه المسلمين إلى وقف هذا الجنون و استعادة سبيل هدي النبوة، هدي الاستقرار و الازدهار. إنه يذكرنا مستمداً خطابه من مصادره الأصلية الكتاب و السنة و فقه سلف الأمة أن السلام وليس الحرب هو ذلك المخرج المنشود.
و لمن لا يزال في ريب من أمره نقول تأمل هذه الكلمات التي كان مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها في كل يوم من حياته دُبُر كل صلاة (( اللهم أنت السلام و منك السلام و إليك يعود السلام حينا ربنا بالسلام)) .
و لقد كان أبو الامارات فقيد الأمة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله مؤمناً بالسلام و الوحدة فلا غرو أن كان أبناؤه الكرام على عهد أبيهم. فهم من تكرم برعاية و دعم هذه المبادرة المستمدة من تعاليم القرآن و عناية العالم الجليل الشيخ عبدالله بن بيه، ففي حين أصبحت الحرب تحيط بنا من كل مكان، يصدع الشيخ بن بيه ببلاغ بسيط و هو (( شنوا حرباً على الحرب لتكون النتيجة سلماً على سلم )) فالسلام هو السبيل و السبيل هو السلام و الله يدعو إلى دار السلام.
الشيخ حمزة يوسف هانسن،
رئيس كلية الزيتونة ـ كاليفورنيا
الولايات المتحدة الامركية