الأصل أن الحكم لله والأمر له والطاعة والانقياد له، كما هو صريح في الكتاب والسنة، والناس – حكاما كانوا أو محكومين- مكلفون بتنفيذ الأوامر الإلهية رعاة لدرء المفاسد وجلب المصالح، لا شركاء لله (تعالى الله عن ذلك) ولا يحق لهم تبديل ما شرع {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}. ولذا تدرس شؤون الحكم والقيام بالشأن العام ضمن العقيدة لا ضمن الفقه!
ومن المسَلَّمِ أن الديمقراطية منهج مستورد (وليست فريدة في ذلك) ومع ذلك فهي من أنسب المتاح حتى الآن في عصرنا الحالي؛ وهذا ما انتبه إليه ونبه عليه الشيخ المختار ابن ابلول رحمه الله (ت 1974م) منذ أكثر من نصف قرن حين قال من ضمن ما قال مخاطبا المجتمع الموريتاني والمجتمعات المشابهة:
رأى الله ضعف الأمر منكم فقادكم ** إلى منهج لا قتلَ فيه ولا عتلُ.
وإذا اقتصرت على النمط المعروف في بلادنا فسأذكر بأنه يقوم (نظريا) على تكافؤ الفرص بين الساعين للمناصب الانتخابية ثم بين المواطنين الذين يحق التصويت لكل منهم؛ لا فرق في ذلك بين الصالح والطالح.
يسعى المترشحون أسبوعين لإقناع الناخبين، ثم تتاح فرصة 31 ساعة من الصمت لاتخاذ القرار النهائي، وعند الاقتراع ينفرد كل ببطاقة التصويت خلف الستار متحررا من أي رقابة أو ضغط {أن تقوموا لله مثنى وفرادى} فيتخذ قراره النهائي، لتكون الحصيلة في صالح من اتفق الجل عليه فرادى.
ومعلوم أن المُسْلم ليس مخيرا في الطرف الذي يناصره، وليس بمفازة من التكليف الإلهي في هذا الشأن الخطير، كما أن المتنافسين ليسوا سواسية؛ خلافا لما يوحي به السلوك العام أحيانا. بل إن إدلاءه بصوته بمثابة شهادة منه بأن من صوّت له أحق بالمنصب من سواه؛ بصرف النظر عن موقعه من الرقعة السياسية أو الإدارية أو الجغرافية.
ولكي تكون الشهادة صحيحة لا بد أن تكون لله أولا {وأقيموا الشهادة لله} وأن يتحرى الشاهد الحقيقة والعدل {يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ..} الآية.
وأن تخلو من الغش والتزوير؛ فقول الزور والعمل به فسق، ولا عبرة بشهادة الفاسق.
وأن تكون أصيلة؛ فلا فرق بين تلقين الشاهد وإملاء المواقف.
وأن لا يبعث عليها خوف أو طمع؛ فمن المطلوب استقلال الشاهد، ومن المعروف في مجال القضاء أن الشهادة إذا شابتها التهمة ردت كلها. ولحكمة بالغة لم تكن أصوات الناخبين مجالا مشروعا - ولا حميدا- للتكسب، ولا بابا شريفا من أبواب المضاربة والتربح.
أن يكون الشاهد على بصيرة من أمره؛ فقد روى أبو نعيم (في شُعَبِ الإيمان وفي الحلية) عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم- عن الشهادة، فقال: «هَلْ تَرَى الشَّمْسَ؟» قال: نعم، قال: «فَعَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ، أَوْ دَعْ».
... إلى غير ذلك.
أقول هذا تعليما لنفسي وتذكيرا لغيري.
والله الموفق.
بقلم محمدُّ سالم ابن جدُّ