لهذه الأسباب على تركيا أن تبدأ في القلق! | 28 نوفمبر

 

فيديو

لهذه الأسباب على تركيا أن تبدأ في القلق!

خميس, 03/12/2015 - 23:33

1- تاريخ تركيا كدولة حاجز في وجه روسيا

النظر إلى خريطة تركيا مهم جدًّا لفهم صعوبة الموقف الذي تجد أنقرة نفسها فيه الآن! يفصل تركيا عن روسيا فقط البحر الأسود، مما جعل موقعها الجغرافي مهمًا للغاية بالنسبة للغرب؛ الذي يراها كـ”دولة حاجز” في وجه التمدد الروسي، الراغب منذ القدم، منذ روسيا القيصرية، في التمدد عبر المضايق التركية (البوسفور والدردنيل) نحو المياه الدافئة (البحر المتوسط) والذي يمثل عنق الزجاجة بالنسبة لروسيا نحو العالم الخارجي.

كان الغرب يتفهم دومًا أهمية موقع تركيا الجغرافي، إلى الدرجة التي جعلت بريطانيا وفرنسا يتدخلان لمنع انهيار الإمبراطورية العثمانية على يد محمد علي باشا والي مصر، حين قرر اجتياح الأستانة، فقط لأن المستفيد الأول من ذلك هو روسيا القيصرية! تدخلت الجيوش الغربية وأنقذت الباب العالي، وفرضت على محمد علي التراجع في اتفاقية لندن 1840.

وانتظر الغرب بعدها خمسة وثمانين عامًا، حافظوا فيها على الخلافة العثمانية ضعيفة كما هي، وأسموها رجل أوروبا المريض، حتى قاموا بتقسيم التركة العثمانية في اتفاقية سايكس بيكو 1916، لكي تسقط الإمبراطورية العثمانية في حجر الغرب لا في حجر الروس، الذين كانت أعينهم على المضايق التركية في الحرب العالمية الأولى، وصرحوا بذلك علنًا لحلفائهم الإنجليز والفرنسيين.

2- دور تركيا الخفي في أزمة الصواريخ الكوبية

في عام 1961، قامت أميركا بنشر 15 صاروخ جوبيتر باليستيًّا متوسط المدى بمدينة أزمير التركية ومداها 1,500 ميل (2,410 كم) مستهدفة المدن الغربية للاتحاد السوفيتي بما فيهم موسكو التي تبعد عنها بـ15 دقيقة فقط!

وفي 1962، وفور علم الاتحاد السوفيتي السابق بوجود صواريخ أميركية في تركيا وإيطاليا موجهة نحو روسيا التي يفصل بينهما وبين تركيا تحديدًا البحر الأسود فحسب؛ قام السوفييت بنصب صواريخ نووية في جزيرة كوبا التي يفصلها عن الساحل الشرقي للولايات المتحدة مرمى حجر. وهي أول صواريخ توضع خارج الاتحاد السوفيتي، كردة فعل على وجود الصواريخ النووية الأمريكية بالأراضي التركية.

وحين علمت الولايات المتحدة حاصرت الجزيرة برًّا وبحرًا وجوًّا، فيما عرف بأزمة الصواريخ الكوبية (تعرف في كوبا باسم أزمة أكتوبر)، ولم تنته الأزمة إلا بعد تعهد أميركا بعدم غزو كوبا، واتفاق الطرفين على مقايضة، تقضي بسحب السوفييت صواريخهم من كوبا، مقابل سحب الأمريكان صواريخهم من تركيا، واشترط الأمريكان فعل ذلك في الخفاء وبعدها بستة أشهر حتى لا يتم الربط بين الأمرين، وبضمان رئاسي شفهي من الرئيس جون كينيدي، والذي اشترط على الروس إبقاء الأمر سرًّا، وإلا تنصل من الاتفاق.

3- الجغرافيا أيضًا ليست في صالح تركيا:

وإذا كان هذا هو قدر تركيا تاريخيًّا؛ فإن الجغرافيا أيضًا ليست في صالح تركيا، فجميع الدول التي على حدود معها أو قريبة منها تكن العداء لها، وفي العلن في بعض الأحيان.

شرقًا: توجد إيران التي تدعم النظام السوري دعمًا مطلقًا.

جنوبًا: يوجد شبه دولة مستقلة للأكراد في شمال العراق، كما يوجد النظام السوري الذي يرى في تركيا عدوًا بلا شك.

في أقصى الجنوب: يوجد إسرائيل التي تشهد علاقتها مع تركيا تدهورًا ملحوظًا، كما يوجد على الضفة الأخرى من المتوسط مصر التي يحكمها نظام ما بعد 3 يوليو شديد اللحمة مع إسرائيل، وشديد العداء مع تركيا.

في الغرب: يوجد اليونان وقبرص وكلاهما لديه عداء تاريخي مع أنقرة منذ احتلال العثمانيين للبلقان إبان الإمبراطورية العثمانية، وفي الأذهان من وراء ذلك بقرون طويلة يكمن عداء تاريخي يعود إلى معركة طروادة بين الأتراك واليونانيين، والتي أرّختها ملحمتي الإلياذة والأوديسا،  وقد شهدت العلاقات بين كل من مصر واليونان وقبرص تقاربًا مؤخرًا، بدعم إسرائيلي واضح، وهو تقارب لا يجمعه شيء إلا عداء تركيا.

في الشمال: توجد روسيا، التي انضمت مؤخرًا -بسبب أزمة الطائرة الأخيرة التي أسقطتها طائرات F16 التركية- إلى حلف أعداء تركيا، وروسيا تدعم الأكراد في العلن، واستقبلتهم استقبالًا رسميًّا في موسكو، وتشن غارات غير مبررة على جبل التركمان، الذي يحوي سوريين تركمان من أصول تركية في سوريا.

 4- من يقف مع تركيا؟؟

أ- من الدول العربية:

لا يقف مع تركيا إلا دولتان اثنتان:

السعودية التي تتفق مع تركيا في العداء المطلق لنظام الأسد.
قطر، التي تسخر إمكاناتها الإعلامية لدعم الشعب السوري في ثورته.

لكن التأييد السعودي مؤقت وجزئي؛ مؤقت لأنه مرتبط بوجود الملك سلمان، ولم يكن الحال بهذه القوة وقت الملك عبد الله، كما أن التأييد السعودي لتركيا جزئي، بمعنى أنه لا يتعدى الملف السوري إلى ملفات أخرى. وقد رفضت تركيا التدخل عسكريًّا لصالح السعودية في اليمن، ومن غير المحتمل أن تنضم السعودية لصالح تركيا في أي نزاع مع روسيا أو حلفائهم المستقبليين من الأكراد، وقطر دولة صغيرة العدد والمساحة، فهل يمكن لهاتين الدولتين أن يُكوّنا جبهة توازن الجبهة الأخرى التي تعادي تركيا؟

في المقابل فإن عداء الأكراد –سواء في سوريا أو العراق- للأتراك هو عداء مطلق، وكذلك إيران والنظام السوري، ومن ورائهم مصر والإمارات وإسرائيل، كلهم لا يريدون أن يروا أردوغان وحزبه على هرم السلطة في تركيا!

ب- حلف النيتو:

وهو الداعم الحقيقي الذي تعول عليه تركيا، فوجود تركيا قوية أهمية إستراتيجية قصوى للغرب في وجه التمدد الروسي كما أسلفنا، ويبقي على الصواريخ الغربية على مرمى حجر من موسكو. (15 دقيقة فقط)

وبالفعل فقد دعم النيتو موقف أنقرة في الأزمة الأخيرة، وأكد أمين الحلف رواية تركيا بشأن إسقاط الطائرة الروسية، وصرح أوباما (رئيس أكبر قوة عسكرية) أن لتركيا الحق في الدفاع عن نفسها، وصرحت ميركل (أكبر قوة اقتصادية في أوروبا) بذات التصريح.

5- إلى أي مدى يمكن للنيتو أن يدعم تركيا؟؟

الآن فقط يمكننا أن نقول إن الغرب رد صفعة القرم إلى بوتين! واختار الغرب أن يرد على بوتين في نقاط ضعفه وليس في نقاط قوته، وانتظر سنتين كاملتين بعد احتلاله لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، وضمها بالقوة للاتحاد الروسي، كي يرد عليه، ولكن بعيدًا جدًّا عن مجاله الحيوي، بإسقاط طائرة مقاتلة من نوع سوخوي 24 فوق تركيا، بما يحمله من دلالات عسكرية وسياسية هامة!

فهذا الحادث يقطع على بوتين خط الرجعة في تدخله العسكري في سوريا، ويجعله مضطرًا لكي يستمر، ويكمل مغامرته العسكرية، حتى لا يعود خائبًا مهزومًا بلا نصر سياسي. بالضبط كلاعب القمار الذي خسر مبلغًا من المال، فيقرر الاستمرار في اللعب، والمقامرة بمزيد من الأموال كي يعوض خسارته، لكنه لا يعوضها أبدًا؛ بل تتعمق خسارته.

استدرج الغرب الروس إلى المستنقع السوري، بالضبط كما استدرجوه سابقًا إلى المستنقع الأفغاني. وكالعادة بدأ الأمر بقوات رمزية، ثم يتطور الأمر سريعًا إلى حرب شاملة، تقصم ظهر من يحكم الكريملين.

لكن من غير المتخيل أن يصمت بوتين على ما حدث، ولا يرد على هذه الصفعة. لا يمكنه الآن إلا بعض القرارات الاقتصادية وبعض التصريحات السياسية التي يغلب عليها لغة التلاوم (تلقينا طعنة في الظهر)، لكنه لا يستطيع -الآن على الأقل- أن يرد عسكريًّا!

فقد فهم بوتين أنه إذا قام بالتصعيد مع أنقرة فإنه لن يواجه تركيا وحدها، بل سيواجه من ورائها الغرب كاملًا، متمثلًا في حلف النيتو التي تعد تركيا من أهم أعضائه.

لذلك فإن بوتين غالبًا سيختار أن يرد على تركيا وحده متجنبًا التصعيد مع حلف النيتو. لذا لن يقوم غالبًا بأي مغامرات عسكرية ضد تركيا، وأعلنت روسيا ذلك صراحة، لكن من قال إنه بالحرب المباشرة وحدها تتحقق الأهداف السياسية؟؟ ماذا لو دعم الروس الأكراد، واضطرت أنقرة للتدخل عسكريًّا في شمال سوريا؛ هل سيبقى موقف النيتو داعمًا لتركيا كما هو الآن؟؟

خيارات بوتين في الرد على تركيا:

مبدئيًّا، أي انتهاك روسي مستقبلي لأجواء تركيا -إذا حدث- سيكون غالبًا بطائرات مقاتلة من نوع سوخوي 30 التي يمكنها القتال في الجو، وليست سوخوي 24 المخصصة لضرب الأهداف الأرضية فقط، مما مكن المقاتلات التركية من إسقاطها بسهولة.

وبما أن الأسوأ قد حدث -بإسقاط طائرة روسية بالفعل- فإن تركيا غالبا سترد، وسيكون عليها هذه المرة إسقاط أي طائرة روسية بصواريخ أرض جو، وليس بطائرات الـ F16 التي يمكن لسوخوي 30 التعامل معها. وستكون تركيا وقتها في مأزق، بعد سحب الولايات المتحدة بطاريات باتريوت المضادة للطائرات من تركيا مؤخرًا. ماذا سيكون الحال لو أسقطت السوخوي 30 الروسية المقاتلة الـ F16 التركية؟؟

وإذا استبعدنا الخيار العسكري المباشر، للأسباب التي أسلفناها، فإنه من المرجح أن يختار بوتين أن يضرب تركيا في نقاط ضعفها هي الأخرى، وليس في نقاط قوتها، وليس لدى تركيا خاصرة أضعف من ورقة الأكراد، الحالمين بإنشاء دولتهم المستقلة شمالي سوريا والعراق، مما يهدد الدولة التركية في الصميم، لتلقائية انضمام أكراد تركيا إلى الدولة الكردية الناشئة عبر فتح الحدود بينهما، وتفتت الدول التركية بالتبعية.

ستحاول تركيا منع ذلك بكل الطرق، بما فيها التدخل العسكري المباشر، لكن إلى أي مدى يمكن للنيتو أن يدعم تركيا في هذه الحال؟؟ ستكون تركيا والحال هكذا دولة معتدية وليست متعرضة للاعتداء، وغالبًا ستجد تركيا نفسها وحدها وسط بيئة معادية لها Hostile Media، وسيجد الأكراد دعمًا من كل من إسرائيل ومصر والإمارات وآخرين. لذا ليس من سبيل المصادفة أن تعلن الإذاعة العبرية بعد إسقاط المقاتلة الروسية بيوم واحد فقط أن إقامة دولة كردية شمال سوريا مصلحة إسرائيلية روسية مشتركة!! وليس من سبيل المصادفة أيضًا أن يعلن بوتين أن مشكلة الحكومة التركية أنها تتبع سياسة “أسلمة الدولة”، وهو تصريح يغازل في الواقع كلّ0ًا من إسرائيل والإمارات ومصر.

لذلك فإن نشر روسيا أقوى صواريخ للدفاع الجوي في العالم (إس 400) في اللاذقية شمال سوريا، وإرسال البارجة الروسية (موسكو) إلى السواحل السورية، لا ينبئ أن هدف التواجد العسكري الروسي في المنطقة هو ضرب تنظيم الدولة! فلا وجود لهذا التنظيم في جبل التركمان ولا في قرى شمال حلب، غرب نهر الفرات.

وبعد استقبال موسكو وفدًا رسميًّا كرديًّا، وبعد إسقاط أنقرة طائرة عسكرية روسية، يمكننا أن نجد دعمًا روسيًّا كبيرًا لأكراد سوريا، وسط قيود على سلاح الجو التركي من التدخل في شمال سوريا خوفًا من صواريخ الدفاع الجوي الروسية.

الخلاصة:

موقف تركيا صعب، صحيح أنها كسبت هذه المعركة على المدى القريب، إلا أنها تواجه خطرًا داهمًا على المدى البعيد، على تركيا أن تتأكد من مواقف حلفائها في النيتو (وفي الولايات المتحدة تحديدًا عقب الانتخابات الرئاسية المقبلة) في حال إذا ما قدم الروس دعمًا عسكريًّا مباشرًا للأكراد! وعليها أن تقنع حلفاءها في النيتو أن صواريخ إس 400 تمثل خطورة على طيران التحالف بقدر ما تمثل خطورة على الطيران التركي! وعليها أن تحصل على بطاريات دفاع جوي بأي شكل!

وعلى تركيا أن تستعد لكافة الاحتمالات، بما فيها التدخل عسكريًّا في شمال سوريا، والاشتباك بشكل مباشر أو غير مباشر مع الروس! فجميع الحروب بدأت بشرارات صغيرة، ولا أحد يمكنه التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه الأمور.

 

**  أحمد نصار 

كاتب وروائي ومحلل سياسي مصري