كان محمد مختار الشنقيطي من المؤسسين للمرصد الموريتاني لحقوق الإنسان في فرنسا وأمريكا سنة 2003، وشاهده الآلاف من الموريتانيين في قناة الجزيرة معلقا على انقلاب 2005، و كتب حينها وقبلها عن موريتانيا وشؤونها وقضاياها، حلل الأوضاع الاجتماعية داخلها، وتناول بالتفسيرات والمقالات سياستَها الخارجية وأزماتِها الداخلية، وصف ولد الطايع بـ (الديكتاتور) قائلا إنه "ارتكب الجرائم السياسية في حق شعبه وارتكب الجرائم الإنسانية في حق المعتقلين السياسيين ولن تسقط جرائمه بالتقادم" حسب تصريحاته في صحيفة الوسيط عام 2004.
منحت قطر معاوية اللجوء وسقطت جرائمه بالتقادم، واحتوت قطر لاحقا الشنقيطي ورعته وأغدقت عليه، فلما ذاق حلاوةَ الريال القطري نسي الشنقيطي القضايا الموريتانية وتجاهلها عن عمد، وانسلخ من هموم وطنِه وتعامى عن معاناة المواطنين الموريتانيين في حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولم يعد يلتفت إلى وطنه إلا بأوامر من الكفيل، ففي تاريخ السادس من يناير 2012م مدح الشنقيطي الرئيس عزيز ووصف قيادتَه بـ "القيادة الرشيدة" إبان سفر أمير قطر الوالد الشيخ حمد بن خليفة إلى موريتانيا، وانتهت زيارتُه بخلافات بين الزعيمين، فكتب الشنقيطي في العاشر من يناير 2012 مقالا ذم فيه الرئيس عزيز وقال إنه معروف بـ"ارتجاله وسوء اختيار رجاله وسوء الصنيع السياسي وضعف التقدير"، فالرئيس عزيز تحول من القيادة الرشيدة إلى القيادة الارتجالية خلال 4 أيام فقط! ووفقا للعلوم السياسية وأرصاد البيئة فإن هذا التحول يعتبر أسرع تحول دراماتيكي جيوسياسي في تاريخ المجموعة الشمسية.
وفي أوائل 2015 أيد الشنقيطي مشاركة قطر في "عاصفة الحزم" وساند السعودية وقال إنها في المسار الصحيح، ووصل تأييد الشنقيطي لـ "عاصفة الحزم" أن طالب الجيش الموريتاني بالوقوف إلى جانب "إخوته وأبناء عمومته اليمنيين" وذلك بالمشاركة في الحرب على الحوثيين، وفي أواسط 2017 بدأت الأزمة الخليجية، فانقلب الشنقيطي على "عاصفة الحزم" وصار يتكلم عن "الانتهاكات التي ترتكبها السعودية في اليمن"، ثم قطعت موريتانيا علاقاتها مع قطر فاستدعى الشنقيطي بيت جرير "زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا"! انظروا إلى وقاحة "الفرزدق"، كان من المفترض أن يقاتل الحوثيين وصار الآن لا يستطيع قتلَ مربعٍ!
تجلت أخلاق الشنقيطي في تناقضاته الفكرية وتنظيراته السطحية وكتاباته الـمُطَعَّمة بالنصوص الأدبية والمرصعة بمقولات الأولين والآخرين والممزوجة بأحلام اليقظة، فهو المؤمن بمقولة ابن عساكر (لحوم العلماء مسمومة)، وفي ذات الوقت يصف الشيخ عبد الله بن بيه بـ (البلاهة السياسية)، وهو الذي أظهر الفرح والسرو بمقتل البوطي فراح يشدو طربا، قائلا إن استشهاد البوطي هو "قطف لعمامة من عمامات السوء المنقوعة في الدماء"، وهو المتحدث على المروءة وأخلاق العرب ثم يتكلم بخبث ودناءة عن الرئيس اعل ولد محمد فال بعد وفاته، وهو الداعي إلى الثورات، المتوثب لقتال الطغاة، المستعد لمقارعة الظلمة، حامل لواء الجهاد على بصيرة، وفي ذات الوقت فارس لا يُشق له غبار في فنادق تركيا، ومرابط في ساحات الوغى داخل أبراج الدوحة.
يصرخ رافضا الوجودَ الروسي والإيراني في سوريا ويخطب في الناس يحضهم على مقاومة أي نوع من أنواع التدخل الأجنبي، ويمقت كل أنواع التطبيع والتعامل مع العدو الصهيوني، لكنه يبرر التطبيع التركي مع إسرائيل، ويتجاهل القاعدة الامريكية في قطر وإذا تحدث عنها أصابه السعال وأرتج عليه.
وعندما مَثُلَ المتهم طارق رمضان أمام القضاء الفرنسي وجد الشنقيطي الوقت مناسبا لتصفية الخلافات الشخصية، فقال إنه "ارتكب جناية كبرى ضد الإسلام الذي نصب نفسه ناطقا باسمه" وأنا لم أسمع يوما طارق رمضان يقول إنه ناطق رسمي باسم الإسلام، إلا إذا كان الشنقيطي يعتبر كل مشتغل في الإسلام السياسي ناطقا باسم الإسلام، حينها يمكن أن نُعدد الجنايات والخطايا التي ارتكبها الشنقيطي ضد الإسلام وما أكثرها، ثم إن طارق رمضان ليس معصوما من الزلل والخطأ والأمراض النفسية والجنسية، فهل الشماتة في زميلك -وأنتما يجمعكما الانتماء الإخواني- تُعتبر من الجهاد على بصيرة؟
أتمنى أن يقوم وطني موريتانيا من كبوته وأن يزدهر سياسيا واقتصاديا .. ولا شك أن هناك محرقة في ركن قصي من مزبلة التاريخ ستلتهم أولئك الذين تاجروا بالقضايا الموريتانية واسترزقوا من معاناتها ثم أعطوا ظهرهم للوطن وأطلقوا سيقانهم للريح لاهثين خلف المال متشبثين بالأخلاق السياسية.