بثت مواقع أميركية متخصصة في مراقبة الجماعات الجهادية، مقطع فيديو جديداً يتحدث فيه زعيم تنظيم " #القاعدة"، أيمن #الظواهري، عبر تسجيل صوتي، عن دول شرق أفريقيا، ويشن هجوما حادا على المسيحية -والكنيسة الأرثوذكسية القبطية بشكل خاص- إضافة إلى الجماعات الصوفية، ويعمل على التحريض ضدهما بصورة واضحة.
وحسب ما تضمنه الفيديو، ووفق ما كشفت عنه تقارير أميركية حديثة، وما أكده محللون متخصصون، فإن التنظيم الإرهابي، يعمل على إحياء نفسه مجددا، ويبدو جليا أنه يستهدف تنشيط تواجده في شرق أفريقيا، بعدما عزز وجوده غرب القارة، وذلك من خلال إثارة الفتن الطائفية، واستقطاب عناصر جديدة إلى صفوفه في الشرق الأفريقي.
وينتشر المسيحيون وأتباع المذهب الصوفي الإسلامي، في شرق أفريقيا على نطاق واسع، ويشكلون نسبا متفاوتة من سكان بلدان تلك المنطقة. وكان المسيحيون والصوفيون هدفا رئيسيا للجماعات الإرهابية خلال السنوات الماضية في مصر ومناطق أخرى، سواء باستهدافهم بهجمات مسلحة كالتي شن أغلبها تنظيم "داعش"، أو بتأجيج الفتن الطائفية والتحريض ضدهم كما تفعل الجماعات السلفية بشقيها الدعوي، والجهادي، وفي مقدمتها "القاعدة".
وجاء مقطع الفيديو الحديث تحت عنوان "شرق أفريقيا ثغر الإسلام الجنوبي"، وتعني كلمة "ثغر" فقهيا "المكان الذي يفصل بين مناطق المسلمين والكافرين". وتتضمن شرق أفريقيا دولا معظمها مفكك، أو يعاني من اضطرابات، أو ضعيف، ومن بين تلك البلدان: جنوب السودان، أوغندا، جيبوتي، إريتريا، إثيوبيا، الصومال، مالاوي، زامبيا، زيمبابوي، بوروندي، رواندا • جزر القمر، وغيرهم، وفي بعض الأحيان تعد مصر والسودان الواقعتان في شمال شرق أفريقيا، ضمن هذه المنطقة.
وأشار تقرير نشره "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي، مؤخرا، إلى أن تنظيم "القاعدة" كان المستفيد الأكبر من الفوضى التي أعقبت الثورات العربية، وهو الآن عد آلاف المقاتلين في بلدان عدة، وفي الصومال لديه قرابة 7000 مقاتل، وفي اليمين يصل عدد مقاتليه إلى 4000 مقاتل تقريباً. ويبدو أن رسالة الظواهري تسعى إلى إحياء وتفعيل التنظيم بشرق أفريقيا، بعدما اعتقد كثيرون أن الزمن قد تجاوز "القاعدة" وبات ذكرى سيئة في تاريخ الإنسانية.
وأفاد موقع "غلوبل ريسك إنسايتس"، في تقرير له اليوم الثلثاء، أن "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي" أجرى العديد من الإصلاحات التنظيمية، خلال الفترة الماضية، بهدف جعل مسألة اتخاذ القرار تتم بطريقة مركزية، وهذا سوف يجعله على الأرجح خطرا جوهريا خلال المرحلة القادمة.
تكتيك مختلف
وتقول يارا اليماني، الباحثة المتخصصة في الجماعات الجهادية لـ"النهار": "عوّدنا تنظيم (القاعدة) أن يوجه رسالة لدولة أو منطقة معينة، ولكن هذه المرة وجه رسالة مفتوحة لشرق أفريقيا كلها، وحتى حين تحدث عن السودان، تطرق إليها بشكل غير مباشر، ويبدو أن التغيير في هذا الأسلوب جاء نتيجة أنه فشل في آخر رسائل صوتية مباشرة وجهها للمصريين، حيث لم تجد أذانا صاغية في الداخل المصري. لهذا فأنه يسعى إلى تفكيك قوائم أساسية يلتف حولها قطاع كبير من المواطنين، وهذا في تصوره يمكن أن يحدث خللا بالمجتمع".
لقطة من الخرائط التي وردت في الفيديو.
وأضافت اليماني: "هذا ما تقوم به الجماعات الجهادية طوال الوقت، والتي كانت تلعب على إشعال الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، وقد فشلت. وهذا جزء من منهج (إدارة التوحش) الذي يستهدف تشتيت المجتمع، وتقسيمه إلى فرق صغيرة متصارعة، من خلال إظهار ما يشوه كل فرقة بالمجتمع تخالف منهج الجماعة المتطرفة. من الواضح أن الظواهري يريد أن يضرب المذهب الصوفي في مقتل، لأنه المذهب الأوسع انتشاراً بين المصريين، ويمكنك أن تلاحظ مدى انتشاره من حجم الاحتفالات بموالد الأولياء في كل شبر بمصر تقريبا، ويريد أيضا أن يستهدف الكنيسة القبطية، التي لها تأثير واسع في الشرق الأوسط وأفريقيا، ولها إلى جانب دورها الديني دور سياسي مهم".
وتؤكد الباحثة أن "(القاعدة) استطاع خلال السنوات السبع الماضية التي أعقبت الثورات العربية، إعادة إحياء نفسه بشكل مؤثر في بلدان المغرب العربي، بداية من موريتانيا وحتى ليبيا، وذلك من خلال التحالف مع قبائل موجودة هناك. وفي شرق أفريقيا، كانت (حركة شباب المجاهدين)، هي أقوى مجموعة منتمية لـ(القاعدة)، ولكن في 2015 أنشق كبار قادة الحركة مع 300 عنصر من الحركة وبايعوا (داعش)، ويبدو أن (القاعدة) يريد أن يعيد بناء مركز له في شرق أفريقيا، ولكن بأسلوب مختلف. قبل 2016 كانت له شبكة قوية تربط بين اليمن والصومال، ويأتي الدعم للصومال من اليمن. والتنظيم ما زال له وجود في شرق أفريقيا ولكنه غير مفعل بشكل كبير، وربما يريد تفعيله".
الخريف الإرهابي
وأشار الظواهري خلال الفيديو، ومدته 27 دقيقة، إلى أن المقطع هو حلقة من سلسلة مسجلة أطلق عليها عنوان"الربيع الإسلامي"، تؤذن بما اسماه "الخلافة على منهج النبوة"، لكنه في الوقت ذاته هاجم "الخلافة المزعومة، التي ادعاها إبراهيم البدري ومن معه" في إشارة إلى زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي وعناصر تنظيمه الإرهابي.
وفي أعقاب مهاجمته وتشكيكه في خصمه البغدادي، انتقل لمهاجمة المسيحيين في شرق أفريقيا ومصر، ويقول: "وبعد أن اهتدى العرب لنور الإسلام رحل منهم تجار لشرق إفريقيا، فنشروا الإسلام، ودخل الناس في دين الله أفواجا، ولكن هذا الاهتداء لدين الله سبحانه أزعج الصليبية في شرق إفريقيا متمثلة في الحبشة، التي أدركت -كما أدركت النصرانية في الشمال- أنها لو تركت الناس يتصلون بالمسلمين لسادت دعوة المسلمين بينهم، فبدأت مملكة الحبشة النصرانية (إثيوبيا حاليا) في اعتداءاتها على المسلمين، كما هي حتى اليوم، وكما هو حال كنيستها الأم في مصر، التي تتربص بالمسلمين الدوائر، وتساند كل طاغية طاغوت جبار يعتدي على المسلمين".
واستمر الظواهري في سرد أحداث "تاريخية" تهدف لتأجيج الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، ثم انتقل إلى مهاجمة الفرق الصوفية التي تشكل أكبر مجموعات إسلامية في مصر، والعديد من دول شرق وشمال أفريقيا، وحاول تصويرها كفرق خارجة عن الإسلام، ومجموعة من "المجاذيب، والحشاشين"، و"العملاء للغرب". وعرض الشريط مقطعا مصورا لأحد القيادات الصوفية في السودان يتحدث عن لقاءات أجراها مع مسؤولين في البيت الأبيض، والكونغرس الأميركي، وحلقة دراسية خرجت بتوصيات لمكافحة الجماعات المتطرفة، وضرورة الاندماج بين المسلمين وغيرهم.
ويقول الظواهري في تسجيله الصوتي: "يصرح الأمريكان بوجوب تأييد الفرق الصوفية المنحرفة، فقد أكد معهد (راند) على ذلك، فجاء في كتاب (بناء شبكات إسلامية معتدلة): أن الشركاء المحتملين للولايات المتحدة والغرب يقعون ضمن ثلاث فئات: العلمانيين والمسلمين التحرريين والتقليديين المعتدلين بما فيهم الصوفية".
*** ياسرخليل
المصدر: "النهار"