في الآونة الأخيرة، بدأت أعين أنقرة تتجه نحو القارة الإفريقية، وخاصة في منطقة القرن الإفريقي، في مسعى لتطوير العلاقات في كافة المجالات، لكن الحقيقة أن الدافع الفكري لحزب العدالة والتنمية والقائم على المركزية، كان له أثر كبير في سياسة أنقرة الخارجية.
الحراك التركي جاء من منطلق فرض النفوذ باعتبار أن الأتراك لهم حق تاريخي في علاقات أقوى مع القارة الإفريقية، وهو ما شجعها على تنفيذ مشروعات من أجل تحقيق أهدافها المعلنة.
حسابات السلطان العثماني في القرن الإفريقي، توسعت أضخم حتى وصلت إلى منافسة إيران وإسرائيل، كون الأخير أضخم استقرارًا وبعيد عن الصراعات خاصة في المجال الاقتصادي، وهذا من منطلق ما يصدره للخارج من شائعات.
حرص أنقرة على التوسع في إفريقيا ظهر مؤخرا من خلال المساعي الحثيثة للدولة العثمانية بالانضمام إلى كافة المنظمات والملتقيات الإفريقية مثل الاتحاد الإفريقي، متحديًا بذلك الأعراف والقوانين الدولية.
تصريحات وزير التجارة والصناعة الصومالي، محمد عبدي حير ماريي، خير دليل على ذلك، حيث أثبت متانة العلاقات مع أنقرة كونها بمثابة جسر يربط التجارة الصومالية بالدول الأوروبية بعد أن كانت مقتصرة على إفريقيا وآسيا.
المثير في الأمر أن أردوغان يسعى جليا إلى إظهار وجوده في القرن الإفريقي باعتباره ممثلا عن الإسلام، لكن حقيقة الأمر، أن أنقرة تسعى للاستفادة من القلق الغربي حول تزايد النشاط الاقتصادي الصيني في القارة السوداء.
اعتقاد الدولة العثمانية السائد بأنها أضخم حرية من تل أبيب التي تعطي أولوية في علاقاتها الإفريقية للجانب الأمني، والتي اعتمدت من خلال استراتيجيتها على مبدأ محاصرة الدول العربية والعبث في منطقة حوض النيل، كان حافزا للتمدد والتوسع دون مراعاة لما ستؤول إليه تلك التحركة في العمق الإفريقي.
وهذا ما ظهر من خلال إنشاء أكبر قاعدة عسكرية تركية في جنوب العاصمة الصومالية "مقدشيو"، كونها تقع على ساحل المحيط الهندي.
حقيقة الأمر أن أنقرة تروج دائما بأنها تسعى لإقامة جيش صومالي قوي قادر على مواجهة الجماعات المسلحة مثل حركة الشباب الصومالية، لكن خبراء متخصصين كشفوا أن أنقرة لها رؤية أخرى من تواجدها العسكري في الصومال وخاصة لدول الجوار من أجل زعزعة استقرارها.
الحراك التركي في إفريقيا بإقامة قاعدة عسكرية تركية في الصومال بعد إقامة قاعدة في قطر، أظهر عن الأبعاد الجيوسياسية التي تنتهجها سياسة أردوغان إزاء القارة الإفريقية، كونها ستكون مدخلا مهما لبيع السلاح وفتح أسواق جديدة للصناعات الحربية التركية.
مساعي أنقرة في التأثير على بعض دول القارة السمراء ليس غريبا عليها وخاصة بعد الصفعة التي تلقتها من مصر، وذلك من خلال تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي.
ضاحي خلفان قائد شرطة دبي السابق، ذكر في إحدى تغريداته: إن "مخطط أنقرة وقطر بوضع قاعدة شمال الرياض في قطر، وقاعدة فى سواكن في الجنوب على نهاية الحدود السودانية، جاء لحماية تمرد إرهابي يخطط له بحيث تبقى هذه القواعد جناحى حماية للتنظيم"، حسب صحيفة الإمارات الأن.
ويبدو أن أنقرة أقرت غزو إفريقيا، خاصة أن الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والصين، والهند، يترقبون استقرار الأوضاع في القارة السمراء من أجل زرع بذور روابط طويلة الأمد.
ولتأكيد ماسبق، خرج الرئيس التركي خلال زيارته إلى الصومال في أغسطس 2017، وعمد على إظهار الرحمة للشعب الذي يعاني من مجاعة مدمرة، وأخذ يوجه إنذارًا قويا للقوى العالمية، بأن أنقرة قامت بغزوة غير عادية في إفريقيا، باعتماد سلطتها الأخلاقية وليس نفوذها العسكري أو الاقتصادي، وفقًا لـ"الأناضول".
أضف إلى ذلك تحركات أردوغان في منطقة غرب إفريقيا بداية من كوت ديفوار وغانا ونيجيريا وغينيا، وهي الدول الأربع الأعضاء في المجموعة الاقتصادية "إيكواس"، والتي تشكل مركزًا للنفوذ الاقتصادي، تلاها العاصمة الإريترية أسمرا عام 2014، والتوسع في إثيوبيا من خلال ترميم القبور الأثرية والتاريخية، ثم الجزائر يليها موريتانيا وزيارته إلى الخرطوم، واستحواذه على جزيرة سواكن المطلة على البحر الأحمر.
يمكننا الإشارة إلى أن أردوغان يحاول تعويض الخسائر التي أثرت على أنقرة بعد اندلاع ثورات "الربيع العربي"، وتوتر العلاقات مع روسيا، ومصر وسوريا وإسرائيل والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلنطى "الناتو"، في مسعى لتعزيز نفوذه السياسي والدبلوماسي علي المستوي العالمي.. فهل ينجح في أهدافه؟
المصدر : التحرير الإخبـاري