هل الصحافة إلا شريحة مستحدثة؟/ الولي سيدي هيبه | 28 نوفمبر

 

فيديو

هل الصحافة إلا شريحة مستحدثة؟/ الولي سيدي هيبه

خميس, 04/01/2018 - 22:01
لا عام يغير!/ الولي سيدي هيبه

و يمضي، على بلد المليون شاعر و أرض المنارة و الرباط و منطلق الشناقطة و مستفرد الجامعات على ظهور العيس و معدن النوابغ و و الفرسان الأفذاذ، عامٌ بأيامه الثلاث مئة و الخمسة و الستين و دقائقه 525600 و لم تسجل حركة الفكر في كل عواصمه الحية ظهور مؤلفات و أعمال جديدة، متحررة من "النسخ" الوضيع و "اللصق" الحقير  للقديم، ذات وقع ملموس على الحركة الثقافية و العلمية و الفنية و النقدية و ذات نفع بأقل درجة ممكنة على طموح التطور و إرادة بناء صرح جديد، و لا مهرجانات يخرج منظموها بمواهب جديدة و أساليب مبتكرة لتثمين المحتوى المستهدف و استثمار وجه الحداثة فيه ليمتزج الأصيل، في المعنى اللصيق بالهوية و المبرز للوجه الفلكلوري الخالص، بالمجني من الأخذ بجديد العصر و دينامكيته. و بالطبع فإن العام قد مر مرة أخر مثل سابقيه على أهل البلد و لم يلمسوا تغيرا في المسلكيات "السيباتية" المنتشرة في حضرة قبول "الخب" بمموه الستر الذي يجافي جوهر الدين الحق العادل. مسلكيات عصية على التغيير يستغني بفعلها الجائر بأثواب القوة و يعيث بمفاهيمه فسادا في الأرض بالمال العام الذي يستبيحه و لا يخشى العقبى و يتردى الذليل بضعفه الذي جبل عليه في جب الفقر و الإقصاء. أرستقراطيات قبائل معلومة تنتشي في غفلة دائمة بخمرة القوة، تملك المال، تتمتع بالجاه و توجه السياسة بمخالبها ضمن تشكيلات غرضية مصطنعة و أطر بتسميات و عناوين مختلفة مفخخة بلا خطاب أو برنامج إلا ما يكون من الوثوب على كل قصعة تلوح في أفق المطامع.. تنظيمات حقوقية تقتات على جسم المستضعفين.. و أسر "إثنية" تعيد في كل عام بناء خريطة النظام الطبقي الذي تسير عليه منذ الأزل... و لا دقيقة أو يوم أو شهر من عام بطوله يغير من الواقع المرير الذي يلفه صمت المضعفين و يحاصره سور الأقوياء.

هل الصحافة إلا شريحة مستحدثة؟

ما بال الإعلام لا يخرج من عباءة و عقلية المنظومة الاجتماعية الطبقية المتخلفة و كأنه في سيرورتها "شريحة" تتميز بالتزلف و المجاملة و الطأطأة و الانتفاعية. و يبدو الأمر جليا عند كل تظاهرة يقيمها أي جسم  تجمعا كان أو تكتلا أو نقابة لتأبين أو مناصرة أو مطالبة بإطلاق سراح صحفي معتقل، حيث ترى الصحفيين في سباق محموم إلى المدعوين من أهل السياسة و الوظائف الكبيرة و أهل الثروات و الوجهاء يبوؤونهم الأماكن الأمامية و يقدمونهم في التصريحات و كأن تزكية التظاهرة بـ"الإعلاميين" في أصلها قد آلت إلى هؤلاء بيعا و تلميعا و شراء مرضاة. ففي الوقت الذي يحتدم فيه الصراع من أجل خلق مسافة "الاحترام" و "المصداقية" بين الصحفيين في الدول الديمقراطية و تلك المتحررة شعوبها من كل أشكال "التراتبية" الفجة و بين السياسيين المعتدين بقوة الحكم أو بالسعي الحثيث إليه، تترسخ في إعلامنا الهش الرغبة الجامحة إلى الالتحام بأهواء السياسيين و الانقسام حول أقطابهم الحاضنة في حل من المهنية وضربا عرض الحائط بمواثيقه التنظيمية و أخلاقياته. أولم يختر، بهذا، أهلُ الإعلام و بشكل إرادي محض أن يصبحوا "شريحة مستحدثة" من أجل النفعية "المستكينة" في أحلك أوقات الحرب على النظام الطبقي الظالم و الكابح لضرورة التحول و الإقلاع قبل فوات الأوان.

إرضاء "الأنا" المفترسة

تمر بأكثرنا و في كل لحظة قوافل الحق فلا نحتفي بها لأننا في الصميم لا نحب الحق أبلجا فقط لأنه يجردنا من بعض هوانه علينا و تحريفنا له من أجل إرضاء "أنانا" المتضخمة، الجائعة، المتكبرة، الجائرة و المتوحشة، فندس عنه رؤوسنا في غبار الاستعلاء و الإدعاء و تحريف النصوص البينة في حق المحتال و الكاذب و صاحب الحيف و آكل المال الحرام و السحت بكل جرأة و تعمد و صلف. نعم هكذا تجري الأمور في أغلب الأحوال قبِلنا ذلك أم كابرنا. لنلقي، و لو مرة واحدة، نظرة مجردة من الخوف و منتزعة للحق لحظة، إلى ما يجري من حولنا في وضح النهار و كواليس الليل، من تهافت على المال العام و كيف أنه لا يصل إليه ثم يذوق "عسيلته" إلا كل مُتدثر جلف بالثوب القبلي الوقح من صلب "السيبة"، و الإقطاعي المفضوح بطبقية التراتبية و التفاوت، و السياسي الانتهازي المتملق، و الرأسمالي الفوضوي الأرعن الذي لا يملك أصحابه روح التخطيط و لا عقلانية التوجيه و لا القدرة على تبرير سيئ الأمر بمبتغى وطني أو سعي إلى إعلاء شأن للبلد إذا ما نضج الاستخدام و عمت الفائدة بانتشار المصانع و توزيع الأرباح و تطوير البنى التحتية الطرقية و الصحية و التعليمية و الثقافية لفائدة مواطنيهم.

التأبين موقف صدق لا منبر خطابة

مرة أخرى يتحول حفل تأبين شخصية أدبية مرموقة وافاها الأجل المحتوم منذ أيام إلى مسرح مفتوح لحرارة التصفيق و نشوة القريض و إلى منبر للمباراة في الخطابة و علو الكعب في صناعة الشعر و غريب أعذاق المفردات المجلجلة. و في حين كان الكثيرون يتطلعون إلى لحظة وعظ مستحقة و تعبير صادق عن مشاعر يطبعها الألم و يغطيها الحزن لفقد عزيز وجد هؤلاء أنفسهم أمام منصة خطابة و في عكاظ شعر أو مربده. و لكن الذي آلمهم أكثر هو إتباع دخيل مسلكيات تنتمي لمساطر ملل غير الإسلام كالوقوف لقراءة الفاتحة على طريقة الوقوف لدقيقة صمت في حين الميت أحوج ما يكون إلى حلقة دعاء له بالرحمة و ذكر لشمائله بما تمليه رهبة الموقف و تفرضه أدبياته.

 

هل أننا فقط نحب التناقض؟

لقد أصبحت السنة الميلادية بإجماع عالمي سنة عملية لا عقائدية كما يريد لها البعض أن تكون للمسيحيين دون غيرهم، و البعض الآخر أن تنبذ و تستهجن لذات الفهم. و لكن الواقع أراد لها أن تكون، و بإسقاط صفتها الدينية لدى ثلاثة أرباع سكان المعمورة، المقياس الزمني الذي يتفق حوله الجميع للتأريخ للأحداث السياسية و العلمية و الاجتماعية صغيرها و كبيرها، حلوها و مرها.  

و في حين يطحن الأسى و الهم و الغم وجوهنا "المتخشبة" ـ على حد وصف أحد كتاب الدراما القليلين في البلد ـ إلا منا ال

ذين عرفوا المال السهل بالنهب و الغصب و الاحتيال منذ قيام الدولة "الهشة" التي صنعها المستعمر الفرنسي و ثبات اللا دولة "السيباتية" في أحضانها، وجوها تظهر عليها كذلك علامات الاستئذاب و النفاق الاستنجادي من حتمية القهر الافتراسي، تَعمُّ الفرحة أصقاع الدنيا لحلول عام جديد بما تعد به شعوب دولها حركة الحياة بالأيام و الأسابيع و الشهور في حِل فكري راقي،  تجاوز الخرافة و سلطة أي على غيره، من طمس منطلقات الآخرين الزمنية "الهجرية" الشريفة و الصينية الكنفوشية و التبيتية البوذية و الهندية الهندوسية و الأزتيكية الوثنية و غير ذلك كثير. و علما بتشبث كل الشعوب بمميزاتها الزمكانية الحضارية.فإن الفرحة التي رأيناها كانت عالمية تجاوزت كل الاعتبارات. و في حين عبرت عن كل الآمال بحلول السلم و الاستقرار في ربوع العالم و إمكانية تقاسم خيراته الوفيرة بعيدا عم شبح الحروب و تدميرها، فإنها أبرزت مستوى التقدم الهائل في تكنولوجيا الاتصالات حيث نقلت التلفزيونات عبر الكوابل البحرية و الألياف البصرية و الأقمار الصناعية حركية القارات الخمس في احتفالها برأس السنة من ناحية، و نقاط التلاقي بين الشعوب في رغبتها بالتواصل و التبادل و التكامل من ناحية أخرى. و يكمن عجب العجب في كون رفضنا الاحتفاء بالعام الجديد الذي نعمل بمقتضى مجرياته الإلزامية يوازيه تمتعنا بالراحة التي يوفرها لنا عمالا و لأولادنا تلاميذا و طلابا. أو ليس في الأمر ما يدعو للغرابة؟