نعم.. بعض الغوغائيين و عديمي الكفاءة و النظر ... و بعض الصبيانيين قد يكونون في نشوة هذه الليلة بأن الرئيس فرض " ما يريد "، و لكن ثقوا أن في الموالاة بعضا من العقلاء ليسوا في وضعية ارتياح ! و عليكم أن تتذكروا عشية الأحداث في ليبيا 2011 ! أتذكر أني كنت أتابع نقاشا حول ما إذا كان هذا الحريق قد ينتقل لسوريا، فكان بعض السوريين يناشد بشار أسد بالانفتاح على معارضته و الإسراع بذلك لتفويت الفرصة على الغربيين ، و بإجراء إصلاحات سياسية و دستورية حقيقية بوسعها تجنيب البلاد بركان، ما سيصبح الجحيم العربي، لاحقا .. في مقابل هذا الرأي ، كان شخص سوري آخر يتمدد في بذلته و يداعب ربطة عنقه انتشاء بقوة سوريا و قوة قبضة الرئيس بشار !
و اليوم، عليكم، أيها المنتشون بفرض الرئيس رأيه، أن تقيموا الوضعية في سوريا ، و تزنوا أي السوريين كان وطنيا ، الأول أم الثاني ? .. كذلك، حين يتدمر البلد، لن تتاح لنا فرصة أخرى لنتلاوم فيها ، فسيحمل كل طرف لعنة ما حدث للآخر ، لأننا أصبحنا منصات ببن واشنطن و موسكو، و حلفائهما !
الأكيد أن موريتانيا بعافيتها و استقرارها و سلمها أفضل من النشيد و العلم الجديدين ! و الأكيد ، أيضا، أن الوعظ بالوطنية ، بعد فرض الأمر الواقع لا يكفي لإطفاء حرقة الغضب !
بعض المتأخرين يلومون الشيخين باب ولد الشيخ سيديا و الشيخ سعد بوه في إفتائهما و قبول دخول المستعمر الفرنسي للبلاد !
و السبب في ذلك أنهم حاكموا هذين الشخين بعد سياقهما التاريخي بأكثر من قرن من الزمن ، و في ظروف الأمن و الأمان التي يعيش فيها هؤلاء المتأخرون. ولم يدر هؤلاء ، أو تعاموا عن قصد، أن كابولاني كان سيدخل أرض البيظان من الشرق، من مالي الحالية، غير أن المخابرات الفرنسية التي كانت تدرس البنية الاجتماعية للموريتانيين، أدركت أن ظروف الشرق الموريتاني كانت، في ذلك الوقت جيدة و أن البنية المجتمعية متماسكة نسبيا ، مما لن يساعد في تغلغل الفرنسي، فاختاروا منطقة اترارزة التي كانت تعيش أوضاعا خاصة تتعلق بنتائج حرب " شرببه"، بين بني حسان، و قبائل الزوايا، كما أن الإمارة كانت تعيش وضعية اضطرابات و انقسام داخل أفرادها ، الأمر الذي أحدث خلخلة أمنية و اجتماعية و مجتمعية سهلت على الفرنسيين نقاش دخولهم للبلاد مع تلك الشخصيتين المرجعيتين ، تحت عنوان جذاب للغاية، و هو فرض الأمن في البلاد ، و هذا ما يفتقده باب ولد الشيخ سيديا و الشيخ سعد بوه، على الأقل في اترارز. صحيح أن أوضاع اترازه لم تكن تنسحب ب ذات الحدة و ذات الدرجة في مناطق الحوضين و تكانت و آدرار. المهم، أن أي بلد يشعر فيه بعض أبنائه بالظلم و التهميش و القهر ، فلن يكون في عزة، بل إنما ينتظرون أية خلخلة أمنية ، أو ضعف للسلطة، أو أية فرصة تسمح لهم بالانتقام !
و هذا هو عين الخطر على أي بلد، و خصوصا حين تكون الأكثرية هي المهمشة، و الأخطر من ذلك حين تهان كل نخبته و من كل المشارب و العناوين ! إنكم تلعبون بالوطن .. و تعبثون بالنار !