منذ أن وقعت أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 وجدنا أنفسنا ـ وبغير إرادة منا ـ فى مواجهة اضطرارية مع من يريد دفعنا دفعا إلى ما يسمى بصدام الحضارات مع الغرب ومحاولة تحميل العرب والمسلمين كل كوارث الدنيا ومصائبها..
أسدل الستار على القمة السابعة بعد العشرين للجامعة العربية التي استضافتها بعز وإباء، بلاد شنقيط مهد الحضارة العربية الإسلامية والثغر العربي المفتوح على إفريقيا. لا غرو إن استضافت نواكشوط غير بعيد من جزيرة تيدره التي انطلقت منها منتصف القرن الخامس الهجري، دولة المرابطين العملاقة موحدة المغرب العربي وناشرة الإسلام في غرب إفريقيا حيث دكت الوثنية وأرست وجودا حضاريا عربيا وإسلاميا لا يلين ولا يهون.
السفر ثقافة، يهبك مالا يهبك كتاب أو حتى مكتبة، لأنه تماس حقيقي ومباشر مع الحياة ومع الجمال ومع الآخر بكل وعيه أو لا وعيه. السفر وعي كبير يتسرب عميقا حتى يستحوذ على كل وجدانك. تلك المقارنات لصالح الآخر أو ضده هي صناعة لوعي الإنسان العميق والمختلف والجارح والناقد. تلك الاختلافات الضمنية التي تدهش الروح في الأمكنة والبشر والحياة والفنون تجعل الإنسان ممتلئا ومدركا لبعض الحقيقة.
تعرف موريتانيا بأنها بلد المليون شاعر، وهذه الصفة يرددها المثقفون العرب كلما طرح اسم هذا البلد العربى العريق المدهش، رغم أنها فى واقع الأمر لاتمس إلا جانبا واحدا من لوحة عربية زاخرة الألوان اسمها موريتانيا. والمؤسف أيضا أن العلم بموريتانيا لم يتعد المثقفين إلى العامة من المواطنين العرب، ولو سألتهم عما يعرفون عن موريتانيا لن تجد سوى أقل القليل.
من ظلمها هو كل من استهول مفارقات المشهد واستهجن بؤس المنتج، فبالغ في هجائها، وكأنما كان يتوقع من هذه الجامعة أن تكون غير مرآة عاكسة للراهن العربي الرسمي والتعبير الأمين عنه لا أكثر ولا أقل. لذا، ما الغرابة في أن بيانها الختامي قد نشرته بعض الصحف قبل صدوره، وانتهت القمة قبل أن يفرغ قراؤها من قراءته، إذ لم يستغرق انعقادها أكثر من سبع ساعات، ولم يحضرها سوى سبعة من أولياء أمور قطرياتها…
برّر الإعلام المصري، إبّان قمة نواكشوط المسماة بـ "قمة الأمل"، والتي تخلو من كل أمل في عمل عربي مشترك، اعتذار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن حضور القمة؛ بكشف محاولة مخطط لاغتياله في العاصمة الموريتانية. وكأنّ السيسي كان ينوي أن يكون أوّل الرؤساء العرب في القمة، لولا كشف مؤامرة الاغتيال المرتبة مسبقاً، والتي حالت بينه وبين حضوره.
سؤال في منتهى التشاؤم والتنكر، تشاؤم بالنسبة لمستقبل الأمة العربية، وتنكر العربي لعروبته؟!
نحن لم نعهد أنفسنا عربا إلا بالوراثة، ربما…نعم قوم نتحدث اللغة العربية ونقرأ تاريخنا في الكتب على أننا سادة نتصف بالشجاعة والكرم.ما تغنى به شعراؤنا، وهل يُتغني إلا بالنادر من الخصال؟
من خلال مشاهدة وقراءة الوضع السياسي والثقافي لواقع الثورات العربية، يخلص المرء الى نتيجة أن كلمة الثورة العربية هي مقاس كبير وفضفاض على الشعوب العربية لأسباب بسيطة، لاخلاف عليها، منها أن الثورات الحقيقة ليست فقط تغير أنظمة حكم ديكتاتورية، أو تبني أفكار وايديولوجيات غربية مستوردة لشعوب ناضلت عهود من الثورات الحقيقة التي أوصلتها الى ما هي عليه الإن.
مع استضافة نواكشوط القمة العربية السابعة والعشرين التي رفضت المملكة المغربية انعقادها على اراضيها كما كان مقررًا، سعت موريتانيا إلى استغلال هذه المناسبة لتسليط الضوء على موقعها على الخارطة العربية، وهي الجار المغلوب على أمره الذي فرضته الجغرافيا والهوية على العالم العربي بما أنها تشكل آخر النقاط الحدودية مع الصحراء العربية.