يقبل المشهد السياسي الموريتاني هذه الأيام على اهتزازات وتقلبات مع اقتراب الاستفتاء الشعبي الذي قرر الرئيس محمد ولد عبد العزيز تنظيمه في الخامس من شهر آب/أغسطس المقبل اعتمادا على تفعيل للمادة (38) من الدستور.
وتؤكد المعارضة الموريتانية التي شكلت أمس جبهة موسعة لجميع أطيافها لإفشال الاستفتاء المنتظر، «أن المادة (38) غير مختصة في مراجعة الدستور وأجاز مجلس الشيوخ المعارض لتوجهات الرئيس، قانونا قبل يومين يقضي بعدم دستورية مراجعة الدستور اعتمادا على المادة (38) وباقتصار مراجعة الدستور على مواد الباب الحادي عشر المخصص لذلك.
وحسب تحليلات المراقبين فإن ما تقبل عليه موريتانيا حاليا من استفتاء وحراك مضاد له يعود كله للصراع حول التناوب على السلطة في انتخابات 2019 الرئاسية التي يجب حسب الدستور الحالي، أن ينتخب فيها رئيس آخر غير الرئيس الحالي الذي يكمل راهنا آخر ولايتيه.
فبينما يسعى الرئيس محمد ولد عبد العزيز وأنصاره لتعديل الدستور بما يمكنه من تنفيذ أجندته غير الواضحة حتى الآن في مرحلة ما بعد انتخابات 2019، ترى المعارضة أن الرئيس يسعى من وراء التعديلات التي ستعرض على الاستفتاء لإزاحة كل العراقيل التي تعترض بقاءه في السلطة.
ويؤكد أكثرها ظنون سوء بأن الرئيس سيغير الدستور الحالي بدستور آخر يكون استهلالا لجمهورية ثالثة منفصلة عن الجمهورية الحالية تمكنه من الترشح لخلافة نفسه في ولايات رئاسية أخرى.
ويعزز هذا التوقع ما يكرره رئيس الوزراء يحي ولد حدمين في جولاته الحالية المخصصة لتعبئة مناطق الشرق الموريتاني لتعديلات الدستور من «أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز باق في السلطة وأن النظام الحالي غير متخل عن السلطة بعد انتخابات 2019».
وتحت عنوان «المنعرج الحاسم… قبل رئاسيات 2019»، دعا حراك «مثقفون من أجل الوطن» القريب من دوائر السلطة، في وثيقة تحليلية نشرها أمس إلى «البدء من الآن في التمهيد لمرحلة ما بعد 2019 قبل أن يداهم الموعد وتتسارع الوتيرة ولا يبقى متاحا غير احتمالات اللحظة الأخيرة بما يلازمها من عيوب سوء الاختيار والأخطاء التي لا تتكشف إلا بعد فوات الأوان».
وأضاف «لزاما على النخب خصوصا نخب الأغلبية أن تستعد لرفع التحدي وتحدد بالتفاصيل ما يلزم القيام به؛ وعلى رئيس الجمهورية أن يوجه إلى بحث السبل الكفيلة باستمرار برنامجه الإصلاحي حتى تحقيق الأهداف المنشودة؛ وقبل ذلك صيانة المكتسبات؛ فتحديات المرحلة المقبلة تستلزم اختيار شخص بمواصفات أقلها إمكانية مواكبة التطور السياسي الإقليمي والدولي الذي لن يكون البلد بمعزل عنه بكل تأكيد».
وأشارت الوثيقة إلى «أن حساسية المرحلة والمعطيات الجيوسياسية وطنيا وإقليميا وعربيا ودوليا، تملي على النخب بما لا يدع فرصة للتأجيل؛ ضرورة استشراف مبني على التحليل الموضوعي لمستقبل بات على مسافة قريبة جدا من منعرج سيكون له ما بعده؛ هذا المنعرج ليس سوى استحقاق 2019 الرئاسي.»
«راهنا، يضيف حراك «مثقفون من أجل الوطن»، يواجه البلد جملة تحديات لا مناص من رفعها قبل الوصول إلى المنعرج؛ ففي وضع إقليمي ودولي متأزم كالظرف الحالي؛ لا محيد عن حل نهائي لملفات كالإرث الإنساني وموضوع الرق؛ حل يسحب الورقتين الرابحتين من أيدي من يلعبونهما في الداخل والخارج بسوء طوية؛ ومن جهة أخرى لا بد أن يحسب للهزات الارتدادية لزلزال الربيع العربي حسابها؛ خصوصا وأن دوائرها تتسع لتمس المحيط؛ وأن الأطراف الأساسية المحركة لما يعرف بالربيع العربي ربما أصبحت تصنف موريتانيا ضمن من يناصبونها العداء؛ على خلفية الموقف من الأزمة الخليجية الخليجية».
وعن التطورات المتوقعة لمرحلة ما بعد رئاسيات 2019 ، قدمت وثيقة «مثقفون من أجل الوطن» ثلاثة سيناريوات أولها سيناريو المأمورية الثالثة (خارج الدستور الحالي)، وهذا السيناريو، تضيف الوثيقة، مستبعد ومطروح في آن معا؛ مستبعد لأن رئيس الجمهورية شخصيا أعرب عن عدم نيته الترشح لمأمورية ثالثة؛ ومطروح لأن رئيس الجمهورية هو ممثل لقطاعات عريضة من الجماهير الموريتانية لا تقبل تحت أي ظرف التفريط في المكتسبات الوطنية؛ ولها القدرة على أن تفرض إرادتها على الرئيس خصوصا في ظل ما يتيحه تفعيل المادة (38) من الدستور من صلاحيات تمكن الرئيس (حسب فقهاء الموالاة) من الاستفتاء على دستور جديد يؤسس لجمهورية جديدة».
وأكد «مثقفون من أجل الوطن»، أن «هذا الاحتمال ممكن التنفيذ لكنه قد يكون ذا كلفة مرتفعة؛ فلا يوجد ما يضمن أن يتقبله الشركاء في ظرف إقليمي ودولي كهذا؛ أما داخليا فموقف أغلب قوى المعارضة والمركزيات النقابية محسوم مبدئيا: إنه الرفض ثم الرفض.»
أما السيناريو الثاني حسب الوثيقة فهو «إجراء انتخابات مفتوحة دون تدخل من النظام وهي خطوة غير مضمونة النتائج فمثل هذا السيناريو قد يوصل قوى راديكالية لسدة الحكم؛ تنسف كل ما حققه النظام خلال السنوات الماضية؛ وربما يضع البلد في ظرف غير مساعد على الانتقال السلس للسلطة».
ويتعلق ثالث سيناريوات الوثيقة «باستخلاف أحد أركان النظام، وهو سيناريو ذو وجهين أحدهما استخلاف عسكري وفي هذه الحالة فالخليفة سيكون على الراجح قائد الأركان العامة للجيوش محمد ولد الغزواني الساعد الأيمن لرئيس الجمهورية وشريكه في تغيير 3 أغسطس/آب 2005 وحركة 6 أغسطس/آب 2008 التصحيحية (انقلاب عسكري على الرئيس المنتخب 2007)؛ وسيكون الفريق الغزواني في حل من واجب التحفظ السياسي الذي تمليه الوظيفة العسكرية ابتداء من 2018 تاريخ إحالته للتقاعد».
وترى الوثيقة التحليلية «أن هذا السيناريو يبدو صعبا لأن الظروف الجيوسياسية المرتبطة بمحاولات إشعال الربيع العربي التي تحدثت عنها الوثيقة سابقا ربما لا تسمح حينها باعتلاء عسكري سابق كرسي الرئاسة، وعليه يكون الوجه الثاني للسيناريو الثالث هو استخلاف مدني، حيث ينصرف التفكير إزاء هذا الاحتمال إلى الوزير الأول السابق الدكتور مولاي ولد محمد الأغظف.
ورغم الغموض الذي يلف خروج الوزير الأغظف مؤخرا من الحكومة، تقول الوثيقة، فإن الأغظف صاحب رصيد مؤثر فقد واكب الحركة التصحيحية وحشد لها الدعم عربيا وأوروبيا وساهم في تجذير النظام ونفذ أجندات المأمورية الأولى بجدارة؛ وكذلك ملفات مثل الحوار ومواجهة عاصفة الربيع العربي وظروف كإصابة الرئيس. وعلى المستوى السياسي يتميز بالمرونة التي تجعله شخصا مقبولا حتى من خصومه السياسيين وهو شخصية كاريزمية ذو علاقات طيبة وواسعة بالساسة العرب والأوروبيين».
هكذا تبدو الصورة في موريتانيا اليوم كما يراها المراقبون المطلعون على خفايا الخارطة السياسية الموريتانية ذات التعقيد البالغ.
فانتخابات 2019 التي تفصل عنها اليوم سنة ونصف، تضفي سخونة كبيرة على المشهد السياسي الموريتاني الذي لم تغادره حمى التأزم منذ أن نفذ الرئيس الحالي انقلاب آب/ أغسطس 2008 على نظام أول رئيس مدني منتخب.
** القدس العربي