يلتحق أزيد من مليون شاب إفريقي بقائمة طالبي العمل شهريا، وهو ما يعطي نحو 12 مليون بطال إفريقي كل عام، في حين لا تقدم السوق الإفريقية سوى 3 ملايين منصب شغل سنويا. وهو ما يترك فارقا كبيرا تستغله الأزمات والطوائف والتنظيمات لأغراض أخرى ساهمت في إدخال عديد دول القارة في دوامة من الأزمات والحروب وعدم الاستقرار السياسي.
الجزائر ومن منطلق مساهمتها الكبيرة في تكريس الأمن والسّلم وإرساء قواعد الحكم الراشد، تتطلع إلى حل مشكل البطالة عبر إرساء مخططات تنموية وفق منهج تشاركي بين دول القارة، ولأجل ذلك تعمل بالتعاون مع تنظيمات دولية لبلورة فكرة إعداد «الكتاب الأبيض الخاص بالتشغيل في إفريقيا».
انطلقت الندوة التحضيرية المسبقة للقمة من أجل التشغيل والكفاءات للجنة العمل والشؤون الاجتماعية للاتحاد الإفريقي، المنظمة من طرف الكنفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية ومنظمة العمل الدولية وبالتنسيق مع المنظمة الدولية لأرباب العمل، ومؤسسة «جوب فور أفريكا» بحضور عن 39 دولة من خبراء ونقابات سيعكفون على مدار يومين على مناقشة جملة من المحاور منها الدفع بنمو شامل للاقتصاديات الإفريقية، والاتفاقات من أجل الشغل والتنافسية كأداة للحوكمة وتحسين محيط الأعمال وموضوع التعليم والتكوين وفرص العمل.
الاجتماع يؤكد مدى استعداد الجزائر لحل مشاكل القارة السمراء على جميع الأصعدة، وسعيها لوضع حد للصراعات التي تنهش سكانها الذين يئنّون تحت وطأة الفقر والبطالة باعتبارهما الدافعين الأساسيين للأزمات والصراعات ومظاهر التطرف المختلفة. وفي السياق أشار وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي السيد محمد الغازي، الذي افتتح اللقاء رفقة بعض زملائه من حكومة سلال، إلى أن الجزائر التي تبنّت مبدأ الحوار الاجتماعي والاقتصادي كمنهج للدفع بالتنمية رفقة الفاعلين تسعى إلى تفعيل الحوار الإفريقي والعمل على التطوير الاقتصادي والاجتماعي لدول القارة لا سيما ما يتعلق بالمسائل الخاصة بترقية الشغل والحماية الاجتماعية.
والجزائر -يضيف الوزير- التي وقّعت منذ 2006 على عقد اقتصادي واجتماعي في إطار سياسة الحوار والتشاور الاجتماعي المنتهج منذ سنوات، وضعت مسألة الشغل في قلب إستراتيجيتها وسياساتها من خلال تبنّي سياسة تشغيل تعتمد على آلية منسجمة تشرك كل الفاعلين وترتقي بالمؤسسة من خلال تشجيعها على الاستثمار باعتباره المورد الأساسي للشغل، كما ركزت على تثمين المورد البشري من خلال التكوين وترقية تشغيل الشباب من خلال تطوير روح المقاولاتية لديهم.
رئيسة الكنفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية سعيدة نغزة، التي بادرت إلى تنظيم هذه القمّة الإفريقية بالتعاون مع المنظمة العالمية للعمل والمنظمة العالمية لأرباب العمل، حول موضوع إعداد الكتاب الأبيض الخاص بالتشغيل في إفريقيا، دعت في كلمتها الافتتاحية إلى فهم التحولات الجارية في عالم الشغل حتى تتمكن منظمة العمل الدولية من تقديم خدمات أفضل لشركائها لتعزيز العمل اللائق والعدالة الاجتماعية، مشيرة إلى أن الكنفدرالية وباعتبارها ممثلة الجزائر تعمل على مبادرة مؤسسات العمل في إفريقيا التي أطلقت نهاية 2016 بجنيف، بطلب من أرباب العمل الأفارقة بالاعتماد على الكتاب الأبيض للتشغيل في إفريقيا كوثيقة عمل.
من جانبها أكدت الأمينة العامة لهذه المنظمة الدولية ليندا كرومجونغ، سعي المنظمة الدولية لأصحاب العمل مع البلدان الأعضاء إلى بلورة «رؤية مشتركة» كفيلة بتطوير تشغيل الشباب، موضحة أن المنظمة الدولية لأصحاب العمل التي تضم أكثر من 150 عضوا من بينهم الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية، تسعى مع البلدان الأعضاء إلى بلورة رؤية كفيلة بتطوير تشغيل الشباب باعتباره رهانا بالنسبة للجزائر وإفريقيا قاطبة، مؤكدة على أهمية مناخ الأعمال لتحفيز الاستثمار.
المتدخلون في اللقاء شرحوا الوضع الإفريقي بايجابياته وسلبياته، مؤكدين بلغة الأرقام أن إفريقيا ستظل لعقود قادمة من الزمن القارة الشابة على اعتبار أن نصف سكانها تقل أعمارهم عن 25 سنة.
التقارير والإحصائيات تشير إلى أن 50 ٪ من الشباب تقل أعمارهم عن 18 سنة و52 مدينة تحتضن أزيد من مليون ساكن، وتضاف إلى الثروة البشرية أراضي قابلة للزراعة بنسبة 60 ٪ من مساحة القارة ونمو سنوي يقدر بـ5 بالمائة خلال العشرية الأخيرة.. ستحصي القارة ملياري ساكن مطلع 2050 بالاضافة إلى 1.1 مليار ساكن في سن العمل في آفاق 2040، علما أن 50 ٪ من سكانها سيقطنون المناطق الحضرية في 2030.
أمام كل هذه الأرقام فإن الشباب في إفريقيا يواجه مشاكل جادة تتقدمها البطالة. وعلى الرغم من النمو الاقتصادي الايجابي الذي تسجله القارة منذ 2000، إلا أن 60 ٪ من شبابها يواجهون البطالة لتجد دول القارة وكل التنظيمات الدولية نفسها أمام ثلاثة تحديات كبرى وهي: التكوين وخلق مناصب الشغل والمحافظة على المناصب الحالية.
للاشارة يندرج هذا اللقاء في إطار تنفيذ الكتاب الأبيض للتشغيل في إفريقيا، والذي يتضمن 10 توصيات تمخضت عن اجتماع مسبق جمع ممثلي أرباب العمل والنقابات من مختلف بلدان القارة، بحثوا الحلول الممكنة لمكافحة البطالة في القارة السمراء. وتم إطلاق هذا النقاش حول التشغيل والقابلية للتشغيل في نوفمبر 2016، من طرف مؤسسة «جوبس فور أفريكا» (شغل من أجل إفريقيا)، بمبادرة من المنظمة الدولية لأرباب العمل و»بيزنيس أفريكا»، من أجل دعم النمو الاقتصادي وتسريع وتيرة توفير إنشاء مناصب الشغل في القارة الإفريقية.