يردد أرباب الأسر في موريتانيا مع المتنبي، وهم يواجهون الاثنين المقبل، تكاليف عيد الأضحى متزامنة مع تكاليف الافتتاح الدراسي، بيته الشعريّ «عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ»؛ ومن أرباب الأسر فقراء مرهوبون من العيد يرددون مع أحمد بن الحسين قوله «فَلَيتَ دونَكَ (أيها العيد) بِيداً دونَهَا بِيدُ».
لا محيد في المجتمع الموريتاني الذي تعيش أسره خارج مداخيلها، عن شراء أفخم الثياب وأسمن الخراف بمناسبة العيد الكبير، ولا مناص من مواجهة الأسعار الباهظة في أسواق ينعكس عليها تضخم مزمن، رفع أسعار الخدمات وأثمان مواد الاستهلاك، وخفض قيمة العملة المحلية، وأحدث اضطراباً في الأسواق بين بائعين ومشترين ذوي قدرة شرائية ضعيفة.
ويواجه الموظفون الموريتانيون وهم غالبية أصحاب الدخول المنتظمة، مناسبة العيد مقترنة بافتتاح المدارس، برواتب زهيدة مقارنة مع أعباء الحياة، فالراتب الأدنى المضمون في موريتانيا لا يتجاوز 40 ألف أوقية (حوالى 120 دولاراً).
وعلى مستوى أسواق المواشي في العاصمة نواكشوط ترتفع أسعار الخرفان، حسب تأكيدات سعدنا ولد صمبه لـ«القدس العربي»، وذلك «بسبب تكاليف نقلها من أقصى الشرق الموريتاني وبسبب قرب فترة موسم المصيف، فالمواشي، حسب قوله، ما تزال هزيلة والجاهز منها للبيع أعداد قليلة مقارنة مع الطلب».
ويمكن حسب المرجعيات الفقهية، ذبح الأضحية من جميع أصناف المواشي المباحة؛ والمجزيء حسب الفقهاء هو من الإبل، ما أكمل خمس سنوات، ودخل في السّادسة ومن البقر والماعز، ما أكمل سنتين ودخل في الثّالثة، ومن الضأن ما استكمل سنة.
وتتفاوت أسعار الخرفان المجزية في الأضحية بين 40.000 أوقية (120 دولاراً) و70.000 أوقية (210 دولارات)، أما الخرفان التي تولى المنمون تربيتها بالتعليف المنزلي والتي تستكمل الشروط فسعرها لا يقل عن 90.000 أوقية (270 دولاراً).
ويرجع تجار الأغنام في العاصمة نواكشوط ارتفاع أثمان الخرفان لعوامل كثيرة أهمها قلة المعروض منها مقابل الطلب الكبير، حيث أن تجار المواشي يفضلون عرض أغنامهم في أسواق السنغال المجاورة حيث يبيعونها بأثمان غالية وبعملة الإفرنك الإفريقي القوية مقابل العملة الموريتانية.
ويفضل السنغاليون خراف موريتانيا لكونها أضخم من خرفان السنغال الصغيرة وهم يبذلون الغالي والنفيس للحصول عليها، فقد طلبت السنغال من موريتانيا تزويدها بأكثر من 370 ألف خروف لتأمين طلبات مواطنيها الذين يعتبرون الأضحية واجباً مقدساً مع أنها مجرد سنة مؤكدة، ومع أنها كذلك مربوطة بالقدرة.
وإذا كان الموريتانيون يشترون أضاحيهم قبل العيد بيوم أو يومين فإن من السنغاليين من يشترون خروفاً صغيراً ويتولون على مدار السنة تربيته بعناية والسهر على تسمينه وربطه داخل المنزل إلى يوم العيد. ويسود الاعتقاد بأن الكبش المربوط بالمنزل يحفظ أفراد الأسرة من العين لأن سموم عيون الزائرين سيمتصها الخروف عند الدخول.
ويتولى صاحب الأضحية العناية وتربية أضحيته، ومنهم من يخصص لها كل أسبوع حماماً بالصابون، أما يوم العيد فإن الأضحية تعطر لكونها مقدمة لفداء نبي الله إسماعيل.
أما يوم العيد الذي يصادف الاثنين المقبل، فسيذبح المضحون خرافهم لتنبعث أدخنة الشواء من المنازل، فالكل يسلخ لنفسه ويشوي لنفسه فليس هناك في يوم العيد عمال لتولي هذه المهام إذ أن الجميع في أجواء العيد يبتعدون عن مواقع العمل.
ومن أغرب عادات الأفارقة في عيد الأضحى أن بعض المضحين لا يأكلون يوم العيد سوى المصارين والكروش، أما بقية اللحم فيمنع أكله قبل اليوم التالي للعيد، ولهؤلاء في هذه العادة تجارب كثيرة منها أن الاقتصار على أكل المصارين يوم العيد يورث طول العمر وصحة البدن.
ويصوم المضحون في موريتانيا صباح يوم العيد حتى تذبح الأضاحي فيفطرون وقت الضحى على قطعة من الكبد. ويؤكد الفقهاء «أن صوم هذه الفترة القليلة من صبيحة يوم العيد يعادل صيام ستة آلاف سنة».
ولا تقتصر ضغوط العيد على جانب الأضحيات، بل إنها تشمل جانباً آخر هو توفير الملابس الجديدة الراقية لجميع أفراد الأسرة، وهو ما يشكل عبئاً آخر على أرباب الأسر في مجتمع تترسخ فيه عادات التنافس والتفاخر في هذه المناسبات.
وهكذا يكون على رب الأسرة أن يعمل لإرضاء أم العيال ولإرضاء الأبناء ولتوفير كبش الأضحية ولو تطلب الأمر أن يبيع في ذلك نفسه. هكذا بدت أجواء عيد الأضحى في موريتانيا والسنغال وهكذا يختلط الدين في هذه المناسبة، بالتجارب العجيبة والعادات الأغرب.
القدس العربي