قراءة فى رواية "الشيباني" للكاتب والإعلامي احمد فال والد الدين | 28 نوفمبر

 

فيديو

قراءة فى رواية "الشيباني" للكاتب والإعلامي احمد فال والد الدين

أحد, 20/10/2019 - 11:00
محمد سالم/ ريومه

تشكل رواية "الشيبانى" الصادرة مؤخرا عن دار "التنوير" للطباعة والنشر إضافة نوعية للمكتبات العربية وبكل تأكيد تستحق القراءة والإشادة، إذ نجح الكاتب أن يصور من خلالها واقعا مريرا لأحداث مأساوية بلغة حزينة و وصف موفق.

تبدأ الرواية بالهرم نصف المقلوب، هناك من الدوحة وتحديدا من سوق "واقف" حيث يجلس الشيبانى فى مكتبته التى هي انعكاس لعالمه الخاص والذى سنكتشف فيما بعد أنه عالم مترابط ومتداخل بين الواقع والخيال.

من الدوحة اختار الكاتب أن تكون بداية الرواية لكن بداية الأحداث كانت هناك بعيدا فى الصحراء وتحديدا فى قرية "الكدية" فى الشرق الموريتاني.

حيث ولد الشيبانى وعاش طفولته مع جدته التى هي كل عائلته، فقد توفيت الأم عند ولادته أما الأب فلا يعرف عنه سوى إسمه.

بهذه البداية اختار الكاتب أن يقدم لنا شخصيته المركزية، وبشكل مماثل ظل يسرد لنا كل تلك الأحداث الحزينة التى مر بها الشيباني قبل النهاية المأساوية.

بين الدوحة ونواكشوط وبين سوق "واقف" وقرية "الكدية" وبين المكتبة العصرية و"أخصاص" الطلاب فى محظرة "عيون الخيل" ظل الكاتب يتنقل بنا خلال ل 268 صحفة هي عمر أحداث الرواية.

هذا التنقل الزمكانى للأحداث شكل فرصة للكاتب كي يثبت قدرته على التحكم فى نسق الرواية وتسلسل الأحداث مع المحافظة على ما صبغ الرواية من تشويق.

تحدثت الرواية بشكل سردى عن حياة "الشيبانى" من طفولته التعيسة فى قرية "الكدية" مرورا بسفره لنواكشوط والتحاقه بالجامعة وانتهاءا بهجرته إلى السينغال ومنها إلى الدوحة. وخلال هذه المحطات قدم الكاتب فكرة الرواية وشخوصها وصراعاتها الداخلية بلغة جزلة وأسلوب مشوق.

إذا بدأنا بالفكرة المركزية للرواية فهي تعالج واحدة من أكثر الظواهر الإجتماعية والدينية تعقيدا، ظاهرة "أمخسور"، فقد أثارت هذه الظاهرة ولا تزال تثير الكثير من الجدل خاصة فى موريتانيا التى يقر مذهبها المالكي بثبوت إلحاق "مخسور" بأبيه، ومع تطور العلم الحديث وعدم قدرته على استيعاب هذه الحقيقة فقد فاقم ذلك من المشكلة، فكان إختيار معالجتها بشكل روائي اختيارا موفق من الكاتب.

هذه الظاهرة وإن كانت شكلت جوهر الفكرة المركزية للرواية فإنها لم تكن وحدها ما عالجته الرواية فقد عالجت أفكارًا أخرى وظواهر مختلفة مثل التفاوت الإجتماعي فى المجتمعات القبلية والتفاوت الطبقي بين مختلف الشرائح، فضلا عن الفوارق الثقافية بين المتجمعات العربية فى المشرق والمغرب.

من أجل توصيل هذه الأفكار احتاج الكاتب إلى العديد من الشخوص والصراعات ونجح إلى حد كبير فى اختيار معظم شخوص الرواية، ولعل أبرز ما أعجبني فى شخوص هذه الرواية هو التمهيد المنطقي للشخصية قبل إقحامها بشكل مباشر فى حياة البطل الذى تعتبر الرواية سيرة ذاتية له، فعلى سبيل المثال كان اختيار طالب قطري فى إحدى المحاظر الموريتانية منطقيا ولعله أحسن تمهيد يمكن تصوره لربط شخص بمواصفات "الشيباني" بخليجي ثري ومترف يعيش فى الدوحة، لكنه كي ينقل الجزء المتعلق بالدوحة من الرواية كان يحتاج إلى "جاسم"، ونجح فى ذلك تماما كما نجح فى تمهيد إدخال الخليجي الثاني "خميس" إلى بؤرة الأحداث وبشكل مماثل دخل "دفع الله" الطبيب السوداني الذي سيصبح فى ما بعد أقرب أصدقاء الشيبانى وسينقذ حياته بعد محاولة انتحاره الفاشلة.

على الجهة الأخرى من الأحداث كان إختيار"سلمى"  موفقا وتم التمهيد له بشكل منطقي هو الآخر عبر ربط علاقة "الشيبانى" بمعشوقته "سلمى" من خلال فصول الدراسة وفى جو تطبعه الزمالة التى سيجعلها الكاتب تتحول تدريجيا إلى إعجاب متبادل ومنه إلى حب من الطرفين أحيانا ومن الطرف الواحد أحايين أخرى.

سلمى إبنة الجنرال المتنفذ سيشكل دخولها فى الأحداث منعطفا فى حياة الشيبانى وستتسارع وتيرة السرد ويرتفع منسوب التشويق.

حيث ستبدأ رحلة البحث عن الهوية وإثبات الذات وتلك رحلة ستقود إلى المهجر ومنه إلى النهاية، تلك النهاية التى لم يتصور أي قارئ أن تكون بهذه المأساوية التى تمت بها.

أما عن الصراعات داخل الرواية فقد أبدع الكاتب حين جمع بين عدة صراعات يصعب التحكم فيها دون أن تتناقض أو تتداخل، فهناك صراع الحب والعذاب، الشوق والحنين، الجنون والعقل، البداوة و التحضر،  المشرق والمغرب،  السياسة والدين،الكفاءة والنسب وغيرها من الثنائيات التى ناقشتها الرواية عبر ال"monologue " الدائم بين الشيبانى وذاته وبين عشقه واواقعه، وهو الذى ثار عليه المجتمع ونبذته شريعة الأنساب ليكون عشقه سبب جنونه وحنينه وتغربه وحتى سبب موته تصديقا لنبوءة "الدّناني" ذلك المجنون الذى قال له عندما كان صبيا يلعب مع رفاقه من أطفال قرية "الكدية" ما نصه " ستوت موتة عجيبة... ستقتلك إمرأة".

**

أما على مستوى الرموز فقد كانت مكتبة "واقف " بالغة الدلالة وشكلت عالما موازيا لأحداث الرواية وشكلت رفوفوها ونقاشاتها الفكرية رواية أخرى لا تقل عمقا ثقافيا وأدبيًا عن الرواية ذاتها، كما شكلت بعض المواقف الناتجة عن احتكاك الشيبانى بمجتمعات أخرى رسائل بعمق دلالي يستحق التوقف حينما عرف أنه لا مفر من السياسة فقد رمته الثقافة فى طريق الحب ورماه الأخير فى شرك السياسة " اهرب من السياسة ما شئت، لكنها ستطوقك أنى حللت".

**

من مآخذى على هذا العمل الدور الذى ظهر به الشيبانى فى تعامله مع جدته وتركه إياها فى كوخ فى حي "ملح " مهجور سوى من جيرانها بنات سيد احمد.

لكن الأكثر مرارة من ذلك حدث عند عودته للبلاد حيث لم يزروها وكان على وشك العودة دون رؤيتها ولما قرر أن يراها كانت قد توفيت ولم يظهره الكاتب بما يستحقه المصاب من حزن.

مما لم يعجبني فى الرواية أيضا اختيار العنوان الذى  لم يناسب العمل فرغم أن الرواية موريتانية و شخصيتها المركزية الداه ولد الشيباني فقد اختار الكاتب أن يكون عنوانها هو اسم الأب المفقود أصلا على طريقة surename، رغم أن القصة تحمل فى ثناياها عناوين أخرى كانت ستضيف للعمل عمقا وتزيده رونقًا.

الرواية وان كانت بدأت عربية موريتانية بكل تفاصيل التفاصيل وبكل ما يعنيه ذلك من عمق لغوي وثقافي واجتماعي، فإن نهايتها كانت  أقرب إلى نهايات الأعمال السينمائية فى الدراما الهندية.

الصورة السوداوية ومستوى الحزن والمأساة التى ختمت الرواية وانهيارها غير المتدرج فى ما يعرف بال falling part أضعفها كثيرا حيث شهدت الخمسين صفحة الأخيرة تسارعا للأحداث وتقاربا بين خطوطها مما يعنى أن الكاتب كان يبحث عن نهاية للقصة أو مخرج للرواية لم يمهد له كثيرا.

فقد تلاحقت أحداثها وتزاحمت حد حزنها وتزاحمها من مقتل خميس إلى محاولة انتحار الشيباني إلى سفره عائدا حيث تم سجنه وإعدامه.

كل هذه الأحداث تعطينا فكرة كقراء عن ما عاناه الكاتب من أجل وضع حد لسيرة الشيبانى فبعد محاولة الإنتحار والسجن والخروج منه والعودة إليه يبدو أن الكاتب وجد صعوبة فى وضع حد للأحداث فوضع حدا لحياة "الشيباني"

هذه النهاية البوليودية لمن يعدم من أجل حبه لمعشوقته، لم تكن الوحيدة فقد ظهرت فلاشات من خيال الشيبانى لحظة تصوره لقاء "سلمى" فى المطار تبتعد بالرواية عن خصوصيتها الثقافية حين تصورها تستقبله بباقة زهور فى بلد لم يعرف أهله الزهور ولا تعنى لهم شيئا،

فضلا عن عناقها له أمام الجميع.

 لا يعكس هذ المشهد حتى وإن كان خياليا لقاء محبوبين موريتانيين على أديم  أرضية مطار نواكشوط.

ومع ذلك فقد نقلت الرواية صورة رائعة عن موريتانيا عن محاظرها عن عدات الزواج فيها وعن ثقافتها وتقاليدها وتحدثت بالتفاصيل عن كل ما هو موريتانى ليشمل ذلك التفاوت الطبقي فى المجتمع والإنقلابات العسكرية وسلطة الحيش.

وقبل الختام لابد أن نعرج ولو قليلا على البعد السياسي للرواية فهي عميقة الدلالة على هذا المستوى وتحمل العديد من الرسائل السياسية والمواقف خاصة من العسكر فقد ظل الكاتب يحذرنا منهم على لسان "دفع الله" حين يقول أن " لا أمان للعسكر .."

قبل أن يؤكد تلك المقولة واقعيا بإعدام "الشيبانى" من قبل الجنرال والد "سلمى" وحشره فى تهمة لا تمت له بصلة ليتولى البطل تلخيص كل ذلك فى كلماته الأخيرة" أنا فارس سقط في ساحة الوغى بسهم أطلقته يد جبانة مرتعشة! لا، بل أنا قصيدة حزينة كتبها شاعر و لم تخرج من فمه قط، أنا سمفونية شجية عزفها فنان أصم لم يسمعها قط! لا، بل أنا و من مثلي أملكم بالخلاص ... أيها الجنود الأغبياء !"

 

أجمل تحية

بقلم الصحفي محمد سالم/ ريومه