انضِمام دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى التحالف الأمريكي الذي دعا لقيامه الرئيس دونالد ترامب تحت ذريعة تأمين الملاحة البحريّة في الخليج ومضيق هرمز، خطوة خطيرة لتكريس التّطبيعين الأمنيّ والعسكريّ بين تل أبيب ومُعظم دول مجلس التعاون الخليجي.
إسرائيل لا تملك أساطيل بحريّة، وليست من دول الجوار لهذا الممر المِلاحي الدولي، وليس لديها ما تُضيفه في ظِل وجود مِئات البوارج وحاملات الطائرات الأمريكيّة والبريطانيّة، وضمّت مُعظم هذه الدول الخليجيّة، وخاصّةً المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات وقطر وسلطنة عُمان على وجودها، أيّ إسرائيل، في هذا التّحالف هو مُباركة لهذا التّطبيع ومُساندة له.
إسرائيل كاتس، وزير الخارجيّة الإسرائيلي، كان أوّل من كشف رسميًّا عن مُشاركة حُكومته في هذا التحالف، وتكهّن في تصريحات للإعلام الإسرائيلي بأنّ الخطوة المُقبلة ستتمثّل في توقيع اتّفاق تطبيع كامل مع الدول الخليجيّة، وقال إنّ الدور الإسرائيلي سيكون في ميدان العمليّات الاستخباريّة، وهي التّجارة الرابحة لحُكومته.
مُعظم الدول الأوروبيّة، وخاصّةً فرنسا وألمانيا رفضت تلبية طلب الرئيس الأمريكي للانضمام إلى هذا التّحالف، وربّما كانت بريطانيا هي الدولة الوحيدة ذات الشّأن التي خرجت عن السّرب الأوروبي، وأعلنت المُشاركة، لأنّ هذه الدول تُريد أن تنأى بنفسها عن السّياسات المُتهوّرة للإدارة الأمريكيّة الحاليّة، وعدم الانجِرار إلى أيّ حُروب يُمكن أن تُنتج عنها خاصّةً ضِد إيران ومحورها.
يبدو واضحًا من خلال تتبّع خطوات التّصعيد الأمني والعسكري للرئيس ترامب ضِد إيران، وزيادة حدّة التوتر في مياه الخليج العربي، أنّها تأتي تطبيقًا لسيناريوهات معدّة سلفًا، بدايتها الانسحاب من الاتفاق النووي، وفرض عُقوبات لخنق وتجويع شعبها، وبِما يؤدّي إلى إقدامها على أعمال انتقاميّة في إطار الدفاع عن مصالحها، وبما يوفّر الحِجج لتدويل مضيق هرمز الذي هو في الأساس مياه إقليميّة عربيّة إيرانيّة مُشتركة، وهو تدويل قد يؤدّي إلى حربٍ في نهاية المطاف.
عضويّة إسرائيل في هذا التحالف البحريّ الجديد هو مُقدّمة لتتويجها وكيلة لواشنطن كمسؤولة عن حماية أمن دول الخليج من “فزّاعة” الخطر الإيراني، الأمر الذي يعني عزل هذه الدول كُلِّيًّا عن مُحيطها العربي والإسلامي وربطها بالكامل بالأمن الإسرائيلي في منظومة أمنيّة وعسكريّة جديدة.
إدارة الرئيس ترامب، وفي ظِل انشغال دول المركز العربي مِثل العراق وسورية ومِصر والجزائر في هُمومها الداخليّة، اعتقدت أنّ هذا هو التّوقيت الأنسب لقيام هذه المنظومة الجديدة بقيادة إسرائيل وفرضها بالتّرهيب والتّخويف، ويبدو أن خطوته هذه حقّقت بعض النّجاحات حتّى الآن، فلم نسمع أيّ اعتراضات مصريّة وعراقيّة تحديدًا عليها، ناهِيك عن الدول الخليجيّة المعنيّة.
نشرح أكثر ونقول إنّ هذه الإدارة، والإدارات الأمريكيّة التي سبَقتها، أقامت العديد من التّحالفات ولم تدعو إسرائيل للانضمام إليها مِثل التّحالف الثلاثيني لغزو العِراق، والتحالف الذي سبقه لتحرير الكويت، أو التحالف الستّيني للحرب على الدولة الإسلاميّة “داعش”، لأنّها كانت تُدرك أنّ أيّ دعوة لتل أبيب للانضمام ستُحدِث زلزالًا في الشّارع العربي.
***
بغض النّظر عن نجاح خطّة الرئيس ترامب في إقامة هذا التّحالف أو فشلها، فإنّ هُناك العديد من التطوّرات باتت راسخةً على الأرض نُلخّصها في النّقاط التالية:
-
- أوّلًا: انضمام إسرائيل إلى منظومة التحالف البحري الجديدة يعني أنها أصبحت شريكًا مُباشرًا في أيّ حرب تشنّها الولايات المتحدة ضد إيران، وباتت صاحبة كلمة عُليا في أمن الخليج، وقوّة جارة لدوله.
- ثانيًا: أيّ قصف صاروخي من قبل إيران أو أذرع حُلفائها العسكريّة في المِنطقة لإسرائيل في حال اندلاع الحرب سيكون مشروعًا وفي إطار سياسة الدفاع عن النّفس وحِفظ المصالح.
- ثالثًا: ربّما يستغل الحرس الثوري الإيراني هذا الوجود الإسرائيلي داخل المَنظومة الأمنيّة والعسكريّة الجديدة، لشَن هجمات على أهداف إسرائيليّة في مياه الخليج، أو البحر الاحمر، فمن يتّخذ قرارًا بإسقاط طائرة أمريكيّة مُسيّرة ويُبادر إلى تنفيذه لن يتردّد في اتّخاذ قرار مُماثل لمُهاجمة أهداف إسرائيليّة.
- رابعًا: هذه العضويّة الإسرائيليّة في المنظومة الجديدة ستَصُب في مصلحة القيادة الإيرانيّة من حيث كونها ستوظّف أداة تحشيد وتعبئة للشارع الإيراني خلفها، وعزل حكومات الدول الخليجيّة ووضعها في خانة الحُكومات المُتواطئة مع المشروع الإسرائيلي في إقامة إسرائيل الكُبرى، وتهويد المقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة في القدس المحتلّة.
- خامسًا: الأمر المُؤكّد أن القيادة الإسرائيليّة مثلها مثل نظيرتها الأمريكيّة، لن تُقدّم أيّ تعاون أمني وعسكري في إطار حماية هذه الدول الخليجيّة مجّانًا ودون مُقابل، وستَبدأ في إرسال “فواتيرها” إلى عواصم هذه الدول للتّسديد أوّل بأوّل، نقدًا أو سياسةً، بطُرقٍ مباشرةٍ أو غير مباشرة.
***
ترامب يجر مُعظم حكومات الدول الخليجيّة إلى مصيدة التطبيع الأمني والعسكري مع إسرائيل، وهذا أخطر أنواع التطبيع، لأنه سيُجرّدها من هويّتها الوطنيّة العربيّة والإسلاميّة، ويجعلها بمثابة تابع للدولة العبريّة، وأسيرةً لحمايتها، وإملاءاتها، وهذا سيُعرّيها، أيّ الحُكومات، من منظومة القيم العربيّة والإسلاميّة التي تستمد شرعيّتها منها.
أهم التعهّدات الانتخابيّة التي أوصلت ترامب إلى البيت الأبيض تلك التي وعد فيها ناخبيه بسحب جميع قوّاته من منطقة الشرق الأوسط، وقال فيها إنّ بلاده خسِرت 6 تريليونات دولار وحصلت على صفر عوائد في المُقابل، وأيّ حرب سيُفجّرها في الخليج لمصلحة إسرائيل وبضغطٍ منها، سيُؤلّب الرأي العام الأمريكي عليه، خاصّةً إذا جاءت باهظة التّكاليف، ومن غير المُستبعد أن يسحِب قوّاته ويهرب من المنطقة مثلما فعل في فيتنام والعِراق، وقريبًا من أفغانستان، وربّما سورية أيضًا.
نُعيد تذكير الأشقّاء في الخليج أنّ مُعظم سياساتهم في السنوات العِشرين الماضية قادت إلى كوارث عليهم وبُلدانهم، فقد تآمروا على العِراق الذي حارب إيران ثماني سنوات لحمايتهم منها، ولعِبوا دورًا كبيرًا في تسهيل احتلاله، وها هُم يعترفون بهزيمتهم في اليمن ويسحبون قوّاتهم منها بعد خمس سنوات من النّزيفين الدمويّ والبشريّ، والدخول في حِلف مع إسرائيل ربّما يكون ثالثة الأثافي.
إسرائيل وباختصارٍ شديدٍ لم تعُد قادرةً على حماية نفسها، وتعيش حالةً من القَلق والرّعب من صواريخ محور المُقاومة، ولا نعتقد أنها ستكون قادرة على حماية الآخرين، وفي الخليج خاصّةً، في ظِل تغيّر مُعادلات القوّة، وصُعود قُدرات محور المُقاومة.. والأيّام بيننا.