الأردن، بلا شك، في موقفٍ لا يُحسد عليه، فقيادته تُقر أنّها تتعرّض لضُغوطٍ هائلةٍ، لقُبول وتمرير صفقة القرن، لكنّها في الوقت ذاته تقول إنّها لن تتنازل عن ثوابتها فيما يتعلّق بالقضيّة الفِلسطينيّة، من رفض التوطين، والتجنيس، والتخلّي عن الوصاية الهاشميّة، لكن ثمّة مُنتقدين يقولون إنّ الخطوات العمليّة لا تُوحي بالمُواجهة، ويبدو أنّ التسليم بواقع الحال سيكون نِتاج تحصيل حاصل، وحُلفاء واشنطن يقول المُنتقدون لا يستطيعون إغضابها.
بعض الشخصيّات التي جاءت أو عادت إلى وزارات بعينها، بعد التعديل الوزاري الأخير، يتردّد أنها مع قرار التجنيس، وضم أراضي إلى الأردن، هذا عدا عن السّماح لأبناء قطاع غزّة بالتملّك، وهذه كلها مُصادفات، يقول المُراقبون لها إنها ليست بريئة التّوقيت.
عمّان ستكون مع الاستحقاق الأوّل أو الاختبار الحقيقي المبدئي لموقفها من صفقة القرن، حين يتبيّن موقفها من المُشاركة في مؤتمر البحرين الاقتصادي، والذي سيُناقش في العاصمة المنامة المشاريع الاقتصاديّة على مدار يومين التي يُمكن إقامتها في الضفّة الغربيّة، وحتى الآن لا يُعلن الأردن الرسمي موقفه، يقول البعض إنها لاعتبارات تنسيقيّة مع الفِلسطينيين، ويقول البعض الآخر إنها في عدم تعميق فجوة الهُوّة مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرأي الثالث يذهب باتّجاه المُجاملات لدول الخليج التي رحّبت بالمُؤتمر، وأعلنت مُشاركتها أو بعضها خِدمةً لقضيّة فِلسطين كما يقولون، وانتظار المُقابل (الأردن) لمُشاركته هذه.
في النهاية يقول المُتشائمون، إنّ الأردن سيُشارك في مُؤتمر البحرين، فهو لا يخرج عن الجمع الخليجي- الأمريكي، وهو في دائرة الضّغوطات بالنّهاية، ولا يستطيع تحدّي واشنطن وتردّد أن قيادته تعرّضت لمُؤامرة بدلالة التّغييرات الأخيرة التي أقدمت عليها، وطالت شخصيّات وزاريّة، والأهم أمنيّة، ووقف خلفها دول عربيّة بعينها.
الاعتبارات التي تسوقها الصحافة الأردنيّة في تبرير المُشاركة التي لم يُعلن عنها حتى الآن، أنّ المُشاركة تُعادل الغياب الفِلسطيني عنه، وأنّ المُشاركة في مؤتمر اقتصادي، لا يعني المُوافقة على الحَل السياسي لصفقة القرن، وربّما المُشاركة بمُستوى وزير على الأقل، قد تسمح للأردن بمعرفة التفاصيل “المُغيّب عنها” أكثر، وإن ما كان يُمكن أن تتحوّل تلك الصفقة إلى اقتصاديّة، أكثر منها سياسيّة، لكن هذه التبريرات يراها البعض الآخر “في حالة المُشاركة” في المُؤتمر، تهيئةً للشارع الأردني، وتنازل أوّلي عن المواقف الثابتة التي كرّرت قيادة الأردن عدم تنازلها عنها، تنتهي بالتّوافق الكامل مع الصفقة.
ثمّة “شائعات” يُردّدها البعض في الأردن، أنّ الأخير مُقبلٌ على انتعاش اقتصادي، وهذا الانتعاش لن يأتي بالتأكيد “في يومٍ وليلة”، بل هو نِتاج المِليارات والاستثمارات التي ستدخل البِلاد، نتيجة “التّنازلات” التي سوف يتم تقديمها، للأردنيين، والفِلسطينيين كذلك في الضفّة الغربيّة، وإن كانت مُشاركة الفِلسطينيين في المُؤتمر البحريني قد حُسِمت بالرّفض “حتى الآن” على الأقل.
الأردن عليه أن يُشارك أيضاً في التّبريرات التي تُساق في ذلك المُؤتمر الذي عُنوانه الدعم الاقتصادي لصفقة القرن، حتى لا يكون وحيداً وبعيداً عن الخطاب الأمريكي الذي يقول أو سيُعيد القول في المُؤتمر المذكور، أنه مُرابط في مياه الخليج، وسيحمي دوله من إيران، والأردن كان أوّل من حذّر من الهلال الشيعي، وغيابه عن هذا المُؤتمر كُلِّيًّا قد يعني الكثير.
أخيراً، الشارع الأردني، وقف وقفة رجلٍ واحد خلف قيادته حينما أعلنت عن موقفها الواضح والصّريح من صفقة القرن، ورفضها للضّغوطات، وخرجوا مُتظاهرين مُؤيّدين للقدس وفِلسطين، وربّما هذا هو السّبب الحقيقي الذي يُفسّر غياب الزخم الشعبي عن الحراك الرمضاني كما العام الماضي، فالشعب يُدرك دقّة وخُطورة المرحلة، لكن هذا كلّه سينقلب في حال تغيّرت المواقف، والحديث ليس فقط عن رفض المُشاركة في مُؤتمر البحرين، ومصلحة الأردن وسيادته في رفض الصفقة، فالأخيرة تُهدّد وجوده، أو بالشّكل الذي نعرفه، على الأقل هذا ما يقوله بعض الأردنيين.
كاتب وصحافي فلسطيني