الذي يشرح الصدر و يبهج القلب حقا، هو ذلك الإحساس المتدفق في دواخلنا جميعا بأن الله الكريمَ الجميلَ الخبيرَ هو من يتولى تدبير شؤوننا، و أننا لو تولينا ذلك التدبير لزلَّت بنا الأقدام في كل ثانية ألفَ مرة، حين يناجيه أحدنا:
"يا حي ياقيوم برحمتك أستغيث، فأصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين"
لكن الإحساس بلطف الله بنا في ذلك التدبير له طعم لذيذ شهي، و الإحساس بخفي لطفه، يشعرنا حقا بالدناءة إن لم نذُبْ صبابةً و وَلَهًا به سبحانه، فمن دياجير النقم، يؤانسنا بعد يأسٍ بفجر النعم، فيلبس الأمور في صور أضدادها كما ألبس ملكَ يوسف في ثوب الرق، و ذلك اللطف الخفي كما نقله شيخنا "حَشَّنْ" عن الشيخ "جسُّوس":
جَسّوسُ : إخفاءُ الأمورِ في صُورْ ** أضْدادِها : اللطْفُ الخَفِي كما صَدَرْ
مِن نَيْلِ يوسفَ لِمُلْكٍ يُرْقي ** و ذاكَ في إلْباسِ ثوبِ الرّقِّ
وقد أورد العلامة شمس الدين ابن القيم - رحمه الله تعالى - في كتابه "إغاثة اللهفان" أثرًا في تفسير"خفي اللطف" و "لطيف الفطنة"، وقد أورده بصيغة التمريض حين قال: "ويُذكر أنَّ الله - تعالى - أوحى إلى بعض أنبيائه: ((أَدرِكْ لي لَطيفَ الفِطنة وخَفيَّ اللُّطف؛ فإنِّي أُحبُّ ذلك، قال: يا ربِّ، وما لطيفُ الفِطنة؟ قال: إنْ وقعتْ عليكَ ذُبابةٌ فاعلمْ أنِّي أنا أوقعتُها، فاسْألني أرفعها، قال: وما خفيُّ اللُّطف؟ قال: إذا أتتكَ حَبَّةٌ فاعلم أنِّي أنا ذكرتُكَ بها))"
ومما يروى للإمام علي رضي الله عنه:
وكم لله من لطفٍ خفيٍّ ** يَدِقّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمِ الذَّكِيِّ
وَكَمْ يُسْرٍ أَتَى مِنْ بَعْدِ عُسْرٍ ** فَفَرَّجَ كُرْبَة القَلْبِ الشَّجِيِّ
وكم أمرٍ تساءُ به صباحاً ** وَتَأْتِيْكَ المَسَرَّة بالعَشِيِّ
إذا ضاقت بك الأحوال يوماً ** فَثِقْ بالواحِدِ الفَرْدِ العَلِيِّ
وَلاَ تَجْزَعْ إذا ما نابَ خَطْبٌ ** فكم للهِ من لُطفٍ خفي.
-------------
من صفحة الأستاذ الولي طه على الفيس بوك