وضع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، عينه على القارة السمراء منذ عام ٢٠٠٥، عندما طرح أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية التركى آنذاك، مشروعًا بمسمى «خطة أوغلو تجاه أفريقيا»، وأًعلن أن هدف الخطة مساعدة الدول الأفريقية اقتصاديًّا وتنمويًّا، إلا أن «أردوغان» كان له هدف آخر خفي، أظهرت حقيقته الأيام.
استمر الدعم التركى للدول الأفريقية عندما استضافت إسطنبول قمة «تركيا - أفريقيا»، فى عام ٢٠٠٨، ومنحت نفسها مسمى «الشريك الاستراتيجي» للقارة، وهو ما حصل عليه رسميًّا فى عام ٢٠١٠ عندما منح «وثيقة الشراكة الأفريقية الاستراتيجية».
ركز «أردوغان» بصورة مبالغ بها على القارة الأفريقية؛ لتعويض فشله فى إقامة علاقات استراتيجية مع القارة الأوروبية التى رفضت انضمامه إليها تحت إطار الاتحاد الأوروبي، وفشله فى بناء ثقة متبادلة مع الدول العربية، بعدما عمل على التدخل فى شئونها؛ محاولًا بناء إمبراطوريته المزعومة.
وزار «أردوغان» واستقبل، منذ عام ٢٠١٤، حينما نُصِّب رئيسًا لتركيا، ما يزيد على زعماء ٢١ دولة أفريقية، إذ زار فى عام ٢٠١٨ وحده كلًا من السنغال وجنوب أفريقيا وموريتانيا والنيجر والسودان والجزائر ومالى وغيرها، واستقبل رئيسى جامبيا وبنين، ووصل عدد سفارات تركيا فى الدول الأفريقية إلى ٤٤ سفارة، بعد أن كانت ١٢ فقط قبل ١٠ سنوات.
وسرعان ما كشف أردوغان عن وجهه الحقيقي، وأهدافه الفعلية داخل القارة، عندما طالب بـ«رد الجميل»، وبدأ فى فرض شروط بلاده على الدول الأفريقية؛ للحصول على المساعدات التركية، وكان بدايتها منح أنقرة حقوقًا حصريةً فى المجالات الاقتصادية المختلفة داخل تلك الدول، وكذلك السماح ببناء قواعد عسكرية داخل القارة، مثلما حدث فى الصومال عام ٢٠١٧، عندما افتتح أكبر قاعدة عسكرية لبلاده فى الخارج، وكذلك فى السودان.
موريتانيا تحت المجهر
تعد موريتانيا من الدول العربية المهمة فى القارة الأفريقية؛ حيث تتمتع بموقع جغرافى متميز يطل على المحيط الأطلسي، وتعد نقطة التقاء ما بين آخر دول الشمال الأفريقى وأول دول غربها، وتتمتع بثروات طبيعية برية وبحرية هائلة؛ ما جعلها محط أطماع أردوغان، وهو ما ترجمه بزيارته إلى العاصمة نواكشوط فى فبراير ٢٠١٨، وهى أول زيارة لرئيس تركى إلى موريتانيا عبر التاريخ.
وظهر الاهتمام التركى بموريتانيا واضحًا فى ميزان التجارة ما بين الدولتين، إذ ارتفع حجم التجارة من ٢٣ مليون دولار عام ٢٠٠٨، إلى ١٣١.٩ مليون دولار فى عام ٢٠١٨، أى أنه ارتفع نحو ٦ أضعاف القيمة خلال ١٠ سنوات فقط.
وأعلن الرئيس التركى أن زياته الأولى؛ تهدف إلى مكافحة الإرهاب، وقدم ٥ ملايين دولار إلى القوة العسكرية الخاصة بدول الساحل الأفريقي، وصرح: «اقترحنا على مسئولى موريتانيا تبادل الخبرات فى مجال الصناعات الدفاعية»، كما منح أردوغان الضباط الموريتانيين الحق فى التدريب العسكرى بمركز «الشراكة من أجل السلام» فى تركيا.
وكان التعاون العسكرى بين الدولتين قديمًا منذ السنوات الأولى لحزب العدالة والتنمية فى الحكم؛ حيث وقَّعت أنقرة فى عام ٢٠٠٢ اتفاقًا مع الحكومة الموريتانية للتدريب العسكري، ثم زار عثمان جونيش، وزير الداخلية التركي، نواكشوط؛ لتوقيع اتفاقيات أمنية جديدة، وتبع ذلك اتفاقًا أمنيًا جديدًا فى عام ٢٠١٢.
ويهدف أردوغان إلى اختراق المنظومة الأمنية فى موريتانيا، بما يخدم مصالح بلاده، وتحويل الدولة العربية الأفريقية إلى مستورد محتمل للسلاح التركي، وهو ما يكبلها بالمزيد من الديون، التى لن يسمح لها اقتصادها الضعيف بالوفاء بها، ما يمنحه الفرصة للمزيد من التوغل والتدخل فى الشأن الداخلى لها.
مدارس جولن.. صداع فى رأس أردوغان
سعى أردوغان إلى ملاحقة المدارس التابعة لفتح الله جولن، رجل الدين التركى المعارض لأردوغان، والممثلة فى خمس مدارس بموريتانيا، تحت مسمى «أبراج العلم»، مع تسليمها إلى المؤسسات التابعة لحزبه وعلى رأسها «مؤسسة المعارف»، والتى أسسها فى عام ٢٠١٦، كما حاول إغلاق «أبراج العلم» على خلفية معارضة «جولن» لسياسات العدالة والتنمية القمعية، ونجح فى القيام بذلك؛ حيث قررت السلطات الموريتانية إغلاق تلك المدارس، مع تسليم العاملين بها إلى نظام أردوغان.
نهب خيرات موريتانيا
وقع الرئيس التركى خلال زيارته الأخيرة إلى موريتانيا ثلاث اتفاقيات رئيسية، الأولى حول تعزيز الاستثمارات بين البلدين، ومنح السلع التركية ميزة تنافسية ذات أفضلية فى السوق الموريتانية، من خلال إعفائها من الرسوم الجمركية؛ بهدف زيادة الصادرات التركية إليها، بعد إغلاق العديد من الأسواق العربية أبوابها بصورة شبه كاملة فى وجه تلك السلع، عقب تدخلات أنقرة فى شئونها.
واعتبر روهصار بكجان، وزير التجارة التركي، فى تصريح له عام ٢٠١٨، أن موريتانيا هى بوابة استراتيجية لسوق يبلغ تعداده ٣٠٠ مليون نسمة، فى إشارة إلى دول غرب أفريقيا، ما يفسر الاهتمام التركى بها؛ حيث وصل حجم الصادرات التركية إليها عام ٢٠١٨ إلى ١٦٨.٨ مليار دولار.
ولا يهدف أردوغان إلى التصدير فقط، ولكنه يريد الاستيلاء على خيرات موريتانيا أيضًا، المعروفة بوفرة المعادن وعلى رأسها الذهب وكذلك الأسماك؛ وتهدف أنقرة إلى استغلال السواحل الموريتانية بصورة متزايدة، ما يخفض ضغط الصيد على سواحل تركيا.
كتبه- محمد عبدالغفار
بوابة العرب