أوَّلُ مَرَّةِ أحسُّ فيها بالعَلَمِ الوَطَنِي حَدَّ النَّشوة( 2008) | 28 نوفمبر

 

فيديو

أوَّلُ مَرَّةِ أحسُّ فيها بالعَلَمِ الوَطَنِي حَدَّ النَّشوة( 2008)

ثلاثاء, 08/08/2017 - 17:30
ادي أدب

العلاقة بالأشياء الرمزية، والتفاعل معها، تحس ولا تفسر، وللأمانة العلمية، كانت نشأتي بدوية، ولم أدخل المدارس قبل الجامعة، حيث كنت من ضحايا مقاطعة بعض الأهالي للمدارس الحديثة، وحاولت التعويض بالتعليم الذاتي، حتى نجحت متفوقا في مسابقة البكلوريا (الثانوية العامة) مترشحا حرا 1986م.
ونظرا لهذا لم أتعايش مع العلم الوطني بصورة حميمة، وحتى عندما كنت أستاذا لم يكن رفع العلم وتحيته الصباحية طقسا معمولا به في تعليمنا الإعدادي والثانوي، ولا حتى الجامعي.. وهكذا كنت عندما أمر على إحدى الثكنات العسكرية، لحظة رفع العلم، أو تنزيله، أشعر بأن هناك تقديسا شبه وثني لا أستسيغه...
وشاءت الأقدار أن تكون أول مرة أقف فيها وقفة اعتزاز حقيقي بعلمنا الوطني في بيروت عام 2008م، عندما كنت الشاعر الوحيد الذي يمثل موريتانيا في مهرجان أدبي هناك، وعندما نزلنا في فندق السفير الفخم.. ثم انتقلنا إلى قاعة حفل الافتتاح الرسمي للمهرجان في فندق أفخم، ورأيت علم بلادي يرفرف ساميا بين أعلام الدول المشاركة هنا وهناك.. داهمني في تلك اللحظات إحْساسٌ لا يُتَصَوَّرُ، غَمَرَ وجْداني، وشلَّ خطواتي، حتى كنت أجدني متسمرا أمام هذا العلم أحدِّقُ فيه مسحورا، وكأنّي أراهُ لأوَّلِ مرّة، فتتجسم لي في رقعته الخضراء موريتانيا، تتبوأ مكانا عليا بين أخواتها من الدول العربية.. في سماء بيروت.. وأشعر أن قلَمِي هو ساريته التي رفعْته هناك.. وأن نجمته هلاله هما هويتي وشعري....
وقد استمرت سيطرة هذا الإحساس بالعَلَمِ الوطني، والتماهي به، على وجداني طيلة تلك الليلة، حيث كنتُ أفكر أنَّ مشاركتي غدا ستكون في أمسية بمدينة "زحلة=جارة الوادي"، فأستحضرُ كيف سيكون حضور الدراعة الشنقيطية، والقصيدة الموريتانية، في هذه المدينة الشاعرةـ التي ربما لم يَصِلْها قبْلي أحد كائنات "بلاد المليون شاعر" المؤسطرة في المخيال العربي، وإشفاقا من عدم تمثيل هذه الرمزيات الوطنية بشكل لائق، كنت كلما اقترب الموعد زمانا ومكانا، أشعر بدرجة حرارتي ترتفع شيئا.. فشيئا.. حتى أنني لم أستطع التمتع بالمناظر الجميلة التي تحاصرني على جنبات الطريق، طيلة رحلتنا إلى "زحلة"... 
أخيرا بدأت الأمسية.. في جمهور شعري نوعي وكيفي، لا يكاد يتكرر... وزاد من توتري أني كنت أراقب دقة التقاطهم لمواقع الجمال في النصوص، وحرصهم على أن لا يمنحوا آهة.. ولا أي حركة إعجاب لمن لا يستحقها.. وكنت آخر من دعي للإلقاء.. فمسحت القاعة ببصري.. وأنا في طريقي إلى المنبر.. بحثا عما يقوي شعوري الوطني.. في لحظة التحدي الصعب تلك.. فوجدت دراعتي البيضاء .. وملحفة صحفية موريتانية وحيدة كانت هناك ضيفة مثلي على المهرجان، ووجدت علم بلادي أمامي.. فانخرطت في الإلقاء (الصورة المرفقة) فوبتوفيق من الله.. كان حسن التلقي يرافقني...وما كدت أنهي دوري.. حتى انفضت الأمسية.. ووجدت نفسي محاصرا على المنصة، بصفوة أبناء زحلة: شعراء، وأدباء، وأساتذة جامعين، وصحافة.. يبدون إعجابهم الكبير بما سمعوا.. عندها ألقيتُ نظرةً "جديدة"، "رحيمة"، "مُمْتَنَّة" لعلمنا الوطني...وبدأت علاقتي برمزيته تأخذ بعدا أعمق.. حيث قررَّتُ بعْدها أنْ لا تخْلوَّ حقيبةُ سفري من أعلام صغيرة.. تشارُكني تمْثِيلي لبَلدي في أيِّ مَحْفَلٍ دولي يتاح لي...وأرى فيه نفسي سفيرا لبلدي كامل السلطة، وفوق العادة، بدون أي اعتماد رسمي طبعا..
واليوم أسأل نفسي كيف أجِدُ ذلك الإحْساسَ الوطني الجميلَ تجاهَ هذا العلم المُسْتَحْدَث، الذي رفضَ الوجدانُ الجمْعيُّ للمواطن المُوريتاني أنْ يمْنَحُه أغلبية أصْواته في الاستْفتاء عليه ، رغْم التزوير، والترغيب، والترهيب... كيف؟!

------------------

من صفحة الأستاذ ادي أدب على الفيس بوك