مظاهرات واعتقالات ومواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن واستهداف لرموز المعارضة في المغرب، هو مشهد يتكرر منذ ما يقرب من 6 أشهر، أو بالتحديد منذ مقتل بائع السمك محسن فكري، في نهاية أكتوبر الماضي، سحقًا داخل شاحنة نفايات، لكن خلال الأيام القليلة الماضية تصاعد التوتر بشكل غير مسبوق، الأمر الذي دفع البعض إلى وصف الأجواء بأنها “ربيع مغربي جديد”.
مطالب
احتجاجات شعبية سلمية أخذت الطابع الاجتماعي والسياسي، طالب خلالها المتظاهرون بمطالب من خلال لافتات بالعدالة الاجتماعية والمساواة وهاجموا سياسة وأداء الحكومة، الأمر الذي جعلها تتشابه كثيرًا مع أجواء الربيع العربي الذي انطلق في معظم الدول العربية عام 2011، وكان من أبرز المطالب الملحة لهذه الاحتجاجات الإسراع بالكشف عن نتائج التحقيق في ملف وفاة محسن فكري، والإفراج عن المعتقلين على خلفية الأحداث الأليمة التي أعقبت احتجاجات “إمزورن” و”بني بوعياش”، وإعطاء الأولوية للمطالب ذات الطبيعة الاجتماعية المتعلقة بالصحة والتعليم والتشغيل عبر خلق مؤسسة جامعية ومستشفى للسرطان، وخلق فرص للعمل عبر تقديم تحفيزات وامتيازات ضريبية للمستثمرين، حسب بيانات المحتجين.
على الرغم من محاولات النظام الملكي المغربي احتواء الاحتجاجات المشتعلة في البلاد منذ ما يقرب من 6 أشهر، وامتصاص الأزمة والحيلولة دون امتدادها إلى مناطق أخرى، من خلال الوعود بتحقيق تنمية اقتصادية وتشغيل الشباب العاطل في مدينة “الحسيمة” التي يتهم قاطنوها الدولة بتهميشهم، وتخصيص مليار دولار لتمويل مشاريع تنمية في المنطقة، إلا أن هذه الوعود ظلت دون تحرك إصلاحي سريع يشعر به المواطن المغربي، الأمر الذي دفع الاحتجاجات إلى اتخاذ خطوات تصعيدية، لتقابلها الدولة الملكية بإجراءات قمعية، حيث اعتقلت قوات الأمن المغربية ما يزيد عن 20 شخصًا ينتمون إلى الحراك الشعبي في المدينة من أصل 57 شخصا على لائحة المطلوبين للعدالة، وبينهم القائد الأبرز للحراك ناصر زفزافي.
دينامو الشارع
ناصر زفزافي، شاب مغربي عاطل عن العمل، يبلغ من العمر 39 عاما، وكان أول الواصلين إلى المنطقة التي وقع فيها حادث سحق بائع السمك محسن فكري، الأمر الذي جعله شاهد عيان تجمهر الناس حوله وأخذوا يستمعون لأقواله باهتمامٍ شديد، ومن هنا بدأ يقود مظاهرات تطالب بمشاريع تنموية اجتماعية واقتصادية بالحسيمة، ليتحول من مجرد شاب عاطل يشبه الكثير من الشباب المغربي، إلى زعيم للحراك الشعبي في منطقة الريف بشمال المغرب، ورمزًا للتحركات الشعبية التي تهز منطقة الريف.
مع مرور الوقت تمكن زفزافي من تعبئة آلاف المتظاهرين في مسقط رأسه الحسيمة، مستفيدًا من شعبيته الكبيرة التي تمتع بها مؤخرًا خاصة بين فئه الشباب، واتخذت الحركة الاحتجاجية التي يقوم بها ناشطون محليون بعدًا اجتماعيًا وسياسيًا مع المطالبة بتنمية منطقة الريف المهمشة من قبل الدولة المغربية.
لم يتوقف زفزافي، عند مهاجمة الدولة عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” واتهام السلطة بالديكتاتورية والفساد والقمع، ووصفها بـ”الدولة الأمنية”، بل شرع في عقد عدد من المؤتمرات الصحفية المباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي شوارع المدينة وحتى في منزل عائلته، وطالب الدولة بـ”ضمانات” بعد أن تعهّدت بتنفيذ مشاريع لتنمية المنطقة، وقال: الدولة المغربية لها خطاب مزدوج، بالأمس تتهم أهل الريف بالانفصال واليوم تجيء للتحدث معهم.
هاجم زفزافي، يوم الجمعة الماضي، إمام مسجد محمد الخامس أثناء إلقائه خطبة الجمعة، وقال وزير الشؤون الاسلامية أحمد توفيق، إن زفزافي أثار البلبلة أثناء الصلاة وأهان خطيب المسجد مشددًا على أن “ما قام به زفزافي هو عمل غير مسبوق، إنها جريمة خطرة”، ومنذ ذلك الوقت بات زفزافي مطلوبًا لدى قوات الأمن المغربية، حيث أمر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة بإلقاء القبض عليه بتهمة عرقلة حرية العبادات وتعطيلها أثناء صلاة الجمعة.
الإثنين الماضي، نجحت أخيرًا القوات الأمنية في اعتقال زفزافي مع أشخاص آخرين، وقال النائب العام المغربي إن الموقوفين يخضعون للتحقيق بتهمة ارتكاب جنايات وجنح تمس بالسلامة الداخلية للدولة، وأفعال أخرى تشكل جرائم بمقتضى القانون.
إلى أين وصلت الاحتجاجات؟
اعتقال السلطات المغربية لزعيم الحراك الشعبي زفزافي لم يحبط الحركة الاحتجاجية التي أشعلها قبل اعتقاله، بل أطلق الحراك دعوات جديدة للنزول إلى الشارع لتحقيق مطالب التنمية في الريف المغربي، التي ينادي بها، حيث تظاهر مئات من الأشخاص في الحسيمة منذ اعتقال زفزافي، وهتف المتظاهرون “حكومة فاسدة.. الكرامة” و”نحن جميعًا الزفزافي”، وأكدت مصادر أن المظاهرات امتدت إلى بعض المدن الكبرى مثل الدار البيضاء وطنجة والرباط ومراكش وأزيلال وأغادير، حيث شهدت هذه المدن مظاهرات تضامن مع نظيراتها في الحسيمة ومنطقة الريف.
يرى العديد من السياسيين والحقوقيين في المملكة المغربية، أن كرة النار تزداد كبرًا وتتدحرج من الحسيمة إلى المناطق والمدن المجاورة، حيث رصدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، اعتقال 28 شخصًا، وحذرت المنظمة “من القمع الذي لن يكون حلا”، مطالبة بالإفراج عن الموقوفين، فيما قالت تقارير حقوقية أخرى أن عدد المعتقلين بلغ 70 ناشطًا.
البديل+ شبكات التواصل الإجتماعية