عطوان: يتحدث عن دموع التماسيح ونفاق العرب في حرب الأثرياء! | 28 نوفمبر

 

فيديو

عطوان: يتحدث عن دموع التماسيح ونفاق العرب في حرب الأثرياء!

ثلاثاء, 13/06/2017 - 17:41
عبد الباري عطوان

اقدام بعض الدول العربية مثل المغرب على ارسال طائرات محملة بالمواد الغذائية الى دولة قطر، وإعلان السيد عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، عن استعداد بلاده “لتقديم المساعدات الغذائية والطبية للدوحة اذا كانت بحاجة اليها”، وكشف صحيفة “لوموند” الفرنسية عن ممارسة سفراء السعودية ضغوطا وتهديدات لدول افريقية ذات اغلبية مسلمة تمثلت بقطع المساعدات المالية، او تعقيد مسألة الحصول على تأشيرات الحج اذا لم تقطع علاقاتها مع دولة قطر، كلها تعكس مفارقات وجوانب من الازمة الخليجية الراهنة، تثير العديد من علامات الاستفهام، نجد لزاما علينا محاولة الإجابة عنها وقد تكون اجاباتنا صادمة.

قطر تتعرض لحصار سياسي من قبل دول “شقيقة” اكثر منه حصار غذائي يتطلب “فزعة” من قبل دول أخرى مثل المغرب، او حتى السعودية نفسها، مثلما ورد على لسان السيد عادل الجبير، وزير الخارجية، عن عرض خدمات بتقديم مساعدات غذائية وطبية، ومن الخطأ مقارنتها بقطاع غزة، او اليمن الذي يفتك بشعبه الجوع والكوليرا، او حلب، او حتى العراق، ابان الحصار الأمريكي الخانق بعد غزو الكويت، وهو حصار استمر 12 عاما، ودمر قيم إنسانية واخلاقية، وادى الى استشهاد اكثر من مليون طفل، فلماذا ترسل الحكومة المغربية طائرات محملة بالاغذية الى قطر، وطائرات حربية الى صنعاء مثلا؟

نعم هناك “معاناة”، ولكنها من نوع آخر، لا ترتقي الى درجة المقارنة بمعاناة حقيقية لشعوب أخرى، فالدول التي قطعت العلاقات وأغلقت الحدود والموانيء والاجواء مع دولة قطر، دول من المفترض انها “شقيقية” كانت، وما زالت، ومعها دولة قطر نفسها، تتغنى لاكثر من ثلاثين عاما بالخصوصية الخليجية، وتميزها عما عداها من خصوصيات وروابط عربية وإسلامية، وتطالبنا بعدم التدخل او التعاطف نحن الاغراب، فما الضير لو استبدل المواطن القطري الحليب السعودي بنظيره التركي او الإيراني مثلا؟

***

المسألة كلها تنحصر في “مزايدات” وتسجيل مواقف سياسية بحته على حساب قطر وازمتها بالدرجة الأولى، ولا تخرج في بعض الأحيان عن المناكفات السياسية، فالدول التي قطعت العلاقات مع دولة قطر أقدمت على هذه الخطوة، اما نكاية بها، واما تقربا من المربع السعودي الاماراتي البحريني المصري، وطمعا بقوته المالية الناعمة، او الاثنين معا.

المملكة العربية السعودية التي تخوض المعركة ضد جارتها القطرية، ونحن هنا لا نجادل حول صوابية الأسباب او اخلاقيتها من عدمها، فهذا موضوع آخر، جعلت من هذه المعركة ذات طابع إسلامي وعربي ودولي، ومن منظار عقيدة الرئيس بوش الشهيرة، أي من هو ليس معنا فهو ضدنا.

لا نعتقد ان دولة قطر التي تملك ارصدة مالية وصندوق سيادي يطفح بأكثر من 320 مليار دولار، بحاجة الى طائرتي شحن مغربيتين تحملان مكونات شوربة “الحريرة” او “الطاجين” او “الكسكسي” المغربي، والمسألة مسألة تضامن سياسي، وارسال رسائل الى اطراف أخرى، وخاصة السعودية والامارات ومصر، وتصحيح أخطاء سياسية، ابرزها خطأ المشاركة في حرب اليمن، والاحتجاج على النكث بوعود استثمارية، ومحاولة مجاراة راي عام مغربي محتقن لا يكن الكثير من الود للسعوديين لاسباب ليس هنا مجال سردها؟

الحقيقة التي يتغافلها الكثيرون ان دولة قطر هي التي باتت تحاصر السعودية سياسيا وليس العكس، لانها قدمت نفسها الى الرأي العام العربي والدولي كضحية تستحق التعاطف وليس العكس، لانها دولة صغيرة مساحة وسكانا أولا، ولان الدول التي اشهرت سيف الحصار في وجهها دول كبرى، قوية ماليا وعسكريا ثانيا، ولان الدول الأخيرة مدعومة من أمريكا المكروهة عربيا واسلاميا ثالثا، وهذا ما يفسر تلكؤ دول عديدة تدور في فلك السعودية منذ عقود، في التجاوب مع مطلب قطع العلاقات مع قطر على غرار ما حدث مع الدعوة لتشكيل حلف إسلامي، او الانضمام الى “عاصفة الحزم”، او تلبية النداء لحضور القمة الإسلامية العربية بوجود الرئيس دونالد ترامب، فالدول التي قطعت العلاقات مع قطر تعد على أصابع اليد الواحدة، مثل الصومال واريتريا وجيبوتي وتشاد وموريتانيا، ونصف اليمن، وثلث ليبيا، وربع مالي.

فاذا اخذنا دولتين مثل الأردن والمغرب شكلا المخزون “السني” و”الملكي” في جميع التحالفات التي دعت السعودية الى عقدها، ودعيتا للمشاركة في بعض مؤتمرات مجلس التعاون الخليجي، نجد انهما لم يقتربا مطلقا من مسألة قطع العلاقات مع دولة قطر، واكتفت الاولى بتخفيضها الى نائب سفير، والثانية الى وقف رحلات طيران ليست موجودة أصلا، اما السودان التي شاركت بارسال آلاف القوات للقتال في حرب اليمن الى جانب التحالف العربي، وخسرت عشرات الجنود ففضلت الوقوف على “الحياد”، ولم تمس السفارة القطرية وطاقمها، وكأن شيئا لم يكن.

السودان مثل المغرب، شعرت بارتكاب خطأ كبير، أخلاقي وسياسي، بتورطها في حرب اليمن، ولم تجن من وراء ذلك أي فوائد غير خسارتها سمعتها وتاريخها وصورة شعبها المطحون الناصعة الذي خاض حروب الفقراء المظلومين طوال فترات تاريخه ووقف في معسكرهم دون تردد، وقرر ان يصحح هذا الخطأ بـ”التغافل”، وحسنا فعل، ولكن هذا لن يغفر لحكامه خطيئتهم في نظر شعبه قبل الآخرين.

***

المملكة العربية السعودية وحلفاؤها يجب ان يراجعوا انفسهم، وان يدرسوا الأسباب الحقيقة التي جعلت كثيرين لا يكنون أي ود لدولة قطر بسبب الكثير من سياساتها حمالة الاوجه المتناقضة، يقفون في معسكرها، ليس حبا فيها، وانما نكاية بها، أي السعودية، واعتراضا على سياساتها.

حتى لا يساء فهمنا، مثلما كان الحال في مرات عديدة، نؤكد اننا على خلاف جذري مع حكومة قطر، ووقفنا، ونقف، ضد كل سياساتها في سورية والعراق واليمن وليبيا، ولم نظهر على قناة “الجزيرة” منذ سبع سنوات، ونحملها مسؤولية الكثير مما لحق بهذه الدول من دمار، وتكبدنا الكثير بسبب موقفنا هذا، ولكن هذا لا يمنعنا مطلقا من قول ما نعتقد انه حقيقة، لان قطر كانت شريكة لـ”الشقيق” السعودي في حروبه في هذه البلدان، بل كانت تتنافس معه على المقعد القيادي الأول فيها، ورغم كل ذلك نؤكد اننا ضد حصار قطر، والحاق أي اذى بشعبها الطيب، ونصر على حل هذه الازمة بالحوار.

انها حرب بين الأثرياء العرب، ولذلك نطالب لمن يريد ان يرسل قوافل المساعدات بأن يوجهها الى من يستحقها في غزة وسورية واليمن وتشاد والصومال، فهي احق.. ونكتفي بهذا القدر.