وجه كل من الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، مدير ديوان الرئيس، أحمد أويحي، والوزير الأول عبد المالك سلال، طعنة غير متوقعة إلى ظهر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بتحويلهما الحملة الانتخابية لتشريعيات 4 مايو القادم، إلى حملة مسبقة للرئاسيات لصالحهما.
ودخل الوزير الأول عبد المالك سلال، في حملة انتخابية شبه معلنة، بدأها من ولاية وادي سوف بالجنوب الجزائري، ثم ولاية وهران ولاحقا باتنة ثم تمنراست، مستغلا الفرصة للتقرب من الناخبين الصغار و”الكبار”.
وقالت مصادر جد مطلعة لـ”الجزائر اليوم”، إن مدير ديوان رئيس الجمهورية، أحمد أويحي، تخلى عن منصبه أيضا، وتفرغ لإدارة الحملة الانتخابية، بدون الحصول على إذن من رئيس الجمهورية، وهو ما فهم من بعض الأوساط على أنه شق عصى الطاعة من الشخص الذي كان يردد دائما أنه وفي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ورفض حتى الرد على اتهامات خطيرة وجهت له من الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني، عمار سعداني.
وأكد المصدر أن أحمد أويحي، دخل رسميا في السباق على خلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وأن الخطاب الذي يقدمه خلال الحملة الانتخابية للتشريعيات، بات على درجة كبيرة من الوضوح بأن زمن المهادنة وتقمص لباس الطاعة والولاء المطلق للرئيس قد أنتهى، وأن ساعة الحسم قد حلت وعليه أن يشمر على ساعد الجد، للتقرب من الجزائريين وإبلاغهم بأنه الرئيس القادم، أو بالأحرى الأصلح على أن يكون الرئيس القادم.
وخرج الصراع بين أويحي وسلال حول الرئاسة إلى العلن منذ الإعلان عن تأجيل زيارة المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل إلى الجزائر، والرئيس الإيراني حسن روحاني في مارس الماضي، وبعدها عدم استقبال الرئيس لكل من رئيس الوزراء الفرنسي برنارد كازنوف على الرغم من تأكيد قصر ماتينيون لاستقبال الرئيس بوتفليقة لـكازنوف الخميس في حدود الـ4 عصر قبل تعديل البيان حول الزيارة، ثم عدم استقبال الرئيس للمفوضة السامية للشؤون الخارجية الأوروبية فيريديركا موغيرني.
وقال مصدر “الجزائر اليوم”، إن أويحي يكون قد أخطأ التقدير، لأنه ما كان له الانخراط في الحملة الانتخابية بدون ضوء أخضر من الرئيس، لأنه رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، ولأنه يملك معطيات غاية في الأهمية ماكان له ليتصرف بهذه الطريقة بناء على فحوى ما يملكه من ثقة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة(…).
هل ستجرى انتخابات رئاسية قبل موعدها؟
أسر أكثر من مصدر مطلع لـ”الجزائر اليوم”، أن أحمد أويحي، بخروجه المستعجل، تصرف كمن يريد إفشاء سر أن الانتخابات الرئاسية 2019 لن تجرى في موعدها، وأنها قد تجرى في موعد سابق لأوانها (2019) وقد يكون قريب جدا.
وأنقلب أحمد أويحي، على عقبيه بسرعة البرق، فبعد سنوات طويلة من “إدعاء” الصرامة في تسيير الشأن العام، الذي كان يدعيه، ورفضه زيادة الأجور إلا إذا كانت مرتبطة بزيادة الإنتاجية، عاد أويحي، للخطاب الشعبوي النمطي، بهدف تغيير الصورة السلبية التي تشكلت في أذهان الناخبين عنه منذ العام 1995، ودعا إلى زيادة الأجر الوطني الأدنى المضمون إلى 60000 دج، وهو أكثر الناس علما بأنه من المستحيل تطبيق هذه الوعود في ظل الظرفية الاقتصادية التي تمر بها الجزائر.
وظلت الصورة النمطية التي تشكلت في أذهان الجزائريين حول أويحي، تقض مضاجع الرجل، فأويحي لا يمكنه التنصل من أنه غلق عشرات آلاف المؤسسات الاقتصادية في تسعينات القرن الماضي بحجة اتفاقات الجزائر مع المؤسسات المالية الدولية، وقضى نهائيا على جهاز الإنجاز الوطني، وأنه هو من وقع قرار إحالة 530 ألف عامل على البطالة، وهو أيضا من قاد حملة الأيادي النظيفة ضد مئات الإطارات ووضعها في السجن ومنهم من مات داخل السجن حصرة من عدم القدرة على هضم الظلم والحقرة الذي سلط عليه.
صراع على من يمول الحملة الانتخابية للرئاسيات؟
ولأن المال عصب الحرب، أنخرط كل من أحمد أويحي وعبد المالك سلال، في التقرب من رجال المال وأصحاب الثروات الهائلة التي تشكلت خلال الـ15 عاما الأخيرة.
ووجه أويحي، عدة رسائل إلى “صديقه” علي حداد، فيما أستغل التشريعيات الأخيرة إلى عقد شراكات إستراتجية مع قوى المال بترشيح العديد من رؤساء المؤسسات ضمن قوائم حزبه بكل من البليدة وبجاية ومستغانم وبرج بوعريريج، في إطار تشكيل مخزون إستراتيجي من الضمانات والقدرات المالية لتمويل الحلة الانتخابية للرئاسيات.
ودخل أويحي في حرب استباقية ضد غريمه الوزير الأول عبد المالك سلال، الذي تربطه علاقات قوية مع رجال الأعمال وعالم المال، سواء في قطاع السيارات أو في الصناعات الغذائية، أو الأشغال العمومية والري، والذين يشكلون رصيدا جيدا أيضا لصالحه في السباق نحو قصر المرادية.
ومثلت خرجة الوزير الأول عبد المالك سلال، من ولاية وادي سوف ودفاعه القوي عن “صديق أويحي” طحكوت، صدمة لأويحي، الذي ظل لسنوات طويلة ينفي وجود أي علاقة له مع طحكوت.
عبد المالك سلال، أنتقل منذ أشهر إلى السرعة القصوى، في استعراض عضلاته داخليا وخارجيا، والشروع في تهيئة المحيط، لم يستثني من أجندته “تصفية” بعض الخصوم المحتملين الذين يملكون القدرة الحقيقية على منافسته، مستغلا الظرفية الصحية لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة.
وشرع سلال أيضا في تقريب والتقرب من جماعات المال لضمان تمويل حملته، وعلى رأسهم علي حداد، الذي يعمل سلال على التقرب منه بكل قوة وإبعاده عن محيط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، على خلفية لجوء حداد ومنتدى رؤساء المؤسسات لاقتراح بعث موضوع خلافة سعيد بوتفليقة، بحسب بعض المصادر.
وخطى عبد المالك سلال، خطوة محفوفة بمخاطر جمة، خلال وزيارته الأخيرة إلى وهران، فبعد أن أوعز محيطه إلى رئيس منتدى رؤساء المؤسسات علي حداد بعدم الظهور أمام كاميرات التلفزيونات خلال تدشين سلال لمصنع الأنابيب التابع لمجمع علي حداد بوهران، سارع الأخير لتقديمه في مصف الوزراء خلال حفل تقديم مفاتيح السكنات إلى جانب رئيس ديوانه والصديق الحميم لعلي حداد مصطفى كريم رحيال، حتى قبل وزير القطاع وزير السكن السكن والعمران والمدينة، عبد المجيد تبون، وهو الموقف الذي كشف عن النوايا الخفية لرئيس الوزراء مرشح الرئاسيات عبد المالك سلال.
والغريب حسب مصادر متطابقة، أن الوزير الأول عبد المالك سلال، بات يستقبل بعض رجال المال في مكتبه لساعات طويلة، فضلا عن منحه لبعضهم امتيازات خيالية، في مقابل رد الجميل بعد حين.
وتحدثت مصادر من محيط عبد المالك سلال، أن الأخير أختار مدير حملته الانتخابية المتحملة، وهو أحد الأصدقاء المقربين منه وعضو حكومته الحالية، وهو ما أثار تساؤلات العديد من وزارء حكومة سلال ذاتها.
أويحي وسلال، يأخذان من معين واحد
وفي رد على سؤال “الجزائر اليوم”، حول ما إذا كان كل من سلال عبد المالك، وأحمد أويحي، قد أنقلبا نهائيا ضد الرئيس بوتفليقة، وأن إظهارهما للطاعة والوفاء للرجل منذ 2000، كان مجرد مطية للوصول إلى تحقيق أغرضهما، أجاب مصدر “الجزائر اليوم” بأنهما وكثير من الذين يظهرون ودا مبالغ فيه للرئيس عبد العزيز بوتفليقة ومحيطه الأقرب، ينطبق عليهم قول الله عز وجل: “لَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا”.
وأكد المصدر على استحالة أن يكون وفاء عبد المالك سلال، وأحمد أويحي، للرئيس بوتفليقة حقيقيا وهما يأخذان من معين واحد، يعرفه جيدا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وسأل عدة مرات الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحي، عن علاقته بالفريق محمد مدين، فلم يزد عن توجيه تحية عسكرية للرجل، يعلم كنهها ومراميها “الراسخون في العلم”.
وتشكل علاقة أويحي، بالمؤسسة الأمنية، مخاوف متقدمة جدا في أوساط محيط الرئيس عبد العزيز بزتفليقة، الذي انتظر 13 عاما ليتمكن من تفكيك العلبة السوداء التي ظلت تصنع الرؤساء في الجزائر، حيث يتخوف محيط الرئيس من انتقام أشرس من الذي تعرض له بوتفليقة على يد نظام الشاذلي بن جديد بعد وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين عام 1978، في حال وصول أويحي إلى الحكم.
نفس الشيء ينطبق على رئيس الوزراء عبد المالك سلال، الذي سيسارع إلى إعادة تقوية جهاز المخابرات بمجرد وصوله إلى سدة الحكم للاحتماء به مجددا. وهو ما يجعل المستقبل السياسي لأويحي وسلال على المحك، ويجعل الأسابيع القادمة حبلى بأحداث وسيناريوهات لم تخطر على بال الكثيرين؟
وكالات