كشفت صحيفة الغارديان البريطانية أنَّ مسؤولاً كبيراً مختصاً بالسياسات الخارجية في البيت الأبيض قد اقترح خطةً لتقسيم ليبيا، وقد رسم صورةً على منديلٍ توضح شكل البلد بعد تقسيمه إلى ثلاث مناطق، وذلك في اجتماع مع دبلوماسي أوروبي كبير.
وفقاً لمسؤولٍ على علم بالأمر، فإنَّ سيباستيان غوركا، وهو نائب مساعد لترامب، حين خضع لضغوطٍ بسبب صِلاته السابقة بجماعات اليمين المجري المتطرف، اقترح خطة التقسيم في الأسابيع التي سبقت تنصيب الرئيس الأميركي. وكان رد الدبلوماسي الأوروبي أنَّ تلك الفكرة ستكون "أسوأ الحلول" لليبيا.
ويتنافس غوركا على منصب المبعوث الرئاسي الخاص إلى ليبيا، في إدارةٍ أميركية لم تفكر حتى الآن في شؤون البلد إلا قليلاً، ولم تقرر بعد ما إذا كانت ستخلق ذلك المنصب.
وقد تورطت ليبيا في صراع بين حكومتين متنافستين منذ سقوط معمر القذافي عام 2011، بعد تدخل قادة حلف شمال الأطلسي. ونشأت خلافات حادة حول حجم الدور الذي سيُمنح لروسيا في تقرير مصير ليبيا، وذلك بصفتها منافساً مهماً في ما يخص تأثير واشنطن وموقفها من القضية المُهمَلة حتى الآن.
مخاوف الحلفاء
وثمة مخاوف بين بعض الحلفاء الأوروبيين من أنَّ البيت الأبيض سوف يتخذ موقفاً معاكساً لموقف إدارة أوباما التي قدمت دعماً كبيراً لحكومة الوفاق الوطني الليبية، التي تدعمها الأمم المتحدة، والتي يقودها فايز السراج في طرابلس.
وعلى الرغم من أنَّ البعض يرون أنَّ حكومة الوفاق الوطني هي الخيار الأفضل لتحقيق الاستقرار في البلد، عانت هذه الحكومة من صراعٍ مع حكومة منافسة مقرها مدينة طبرق، شرقي ليبيا، يقودها خليفة حفتر، الرجل العسكري القوي، المعادي للإسلاميين. ويتلقى حفتر، الذي لن يدعم التقسيم، دعماً من بعض أفراد الحكومتين المصرية والروسية.
وفي يناير/كانون الثاني، رحَّب حفتر بحاملة طائرات الأميرال كوزنتسوف حين أبحرت بالقرب من الساحل الأفريقي الشمالي. ويقدم حفتر، المشير ذو الثلاثة والسبعين عاماً، الذي كان فريقاً أول في عهد القذافي، قبل أن يتحوَّل إلى خصمه اللدود، نفسه بصفته حصن دفاعٍ ضد الإسلام السياسي والإخوان المسلمين، وهو ما يجعله يلقى قبول بعض أفراد فريق سياسة ترامب الخارجية.
ويؤيد غوركا سياسات متعصبة تهدف إلى هزيمة "الإسلام المتطرف"، ويرى الإخوان المسلمين جماعةً إرهابية تهدف إلى التغلغل داخل الولايات المتحدة. وبصفته محرراً سابقاً في شبكة بريتبارت الإخبارية، فإنَّه مُقرَّب من ستيف بانون، كبير المخططين الإستراتيجيين لدى ترامب، الذي يؤمن أنَّ مقاومة الإسلام المتطرف يجب أن تكون الموضوع الأساسي في سياسة أميركا الخارجية. لكنَّ نجم بانون بدأ يخفت في البيت الأبيض، وقد فقد مقعده في مجلس الأمن القومي الأسبوع السابق.
وقد أقلق غوركا دبلوماسيين أجانب برؤيته لمستقبل ليبيا. وتُقسِّم الخريطة، التي رسمها على منديل، ليبيا في المرحلة الانتقالية إلى ثلاثة أجزاء، وهي إقليم برقة العثماني القديم في الشرق، وطرابلس في الشمال الغربي، وفزان في الجنوب الغربي.
معرفة الوضع الليبي
ويقول ماتيا توالدو، خبير الشؤون الليبية في برنامج المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "يشبه هذا اختباراً لتوضيح مدى معرفتك بليبيا. إذا كان الشيء الوحيد الذي تعرفه هو أنها قد قُسِّمت إلى ثلاثة أجزاء، فهذا يدل على أنك جاهل بالوضع في ليبيا".
وتشمل قائمة منافسي غوركا على منصب المبعوث الرئاسي كلاً من بيت هوكسترا، عضو الكونغرس السابق وأحد أعضاء جماعات الضغط، وفيليب إسكارافاج، ضابط المخابرات الأميركية السابق، الذي لديه خبرة بالشأن الليبي تمتد لأكثر من عقد.
ويُعدُّ إسكارافاج عموماً المرشح المفضل لشغل المنصب غير مدفوع الأجر. ويُعتقد أنه قد قدَّم اقتراحاً لنشر السلام يعتمد بقوة على عشرات المليارات من الدولارات من الدعم المالي الغربي.
وعبَّر حليف أوروبي واحد على الأقل بسريةٍ عن غضبه تجاه عدم اتخاذ الخارجية الأميركية أي موقف بخصوص ليبيا، وأعرب عن قلقه من نفوذ روسيا المتزايد.
وفي الوقت الذي يرى فيه من يدعمون التقسيم أنَّ بناء دولةٍ في شرق ليبيا أمرٌ قابل للتحقيق، يتفق معظم الخبراء على أنَّ التقسيم سوف يثير حرباً أهلية أخرى بسبب الخلاف المستعر الذي سوف ينشأ حول ترسيم الحدود.
وحاول ممثلون من حكومة طبرق، بما فيهم حفتر، التأثير على إدارة ترامب، مطالبين الولايات المتحدة بتغيير موقفها جذرياً، وسحب دعمها لحكومة السراج.
البيت الأبيض مستعد للتعامل
وفي حوارٍ هاتفي مع صحيفة الغارديان، قال آري بن مناشه، وهو مستشار الأمن الإسرائيلي المقيم في كندا، الذي تملك شركته عقداً بقيمة 6 ملايين دولار من أجل الضغط لصالح حفتر وعقيلة صالح عيسى، رئيس مجلس النواب الليبي، إنَّ البيت الأبيض قد "أُطلِعَ" على الشأن الليبي، و"مستعد للتعامل وفقاً لشروطنا".
وقال بن مناشه: "لن يحدث تقسيم. لا يملك أي من موظفي إدارة ترامب حقاً أي فكرة عما يحدث. لقد أطلعناهم على الموقف بصورة واسعة.. إنهم يفهمون أنَّ السراج لن ينجح أبداً."
وقال بن مناشه إنَّ إدارة ترامب قد فهمت أنَّ إنشاء حكومة مركزية في ليبيا، يوافق عليها شرق البلاد وغربها، يمكن أن يتم "في ثلاثة أيام" إذا لعبت روسيا دوراً أكبر. وأضاف إنَّ إدارة ترامب "مهتمة بالحصول على مساعدة الروس، ومهتمة بجعلهم يحلُّون الأزمة".
وقال بن مناشه إنَّ دعم الحكومة الشرقية يتنامى في أجزاءٍ من أوروبا، بما فيها المملكة المتحدة. وأضاف: "لقد تحدثنا مع البريطانيين والنرويجيين والسويسريين. بذلنا جهداً كبيراً في هذا الأمر".